* قراءات سابقة للكاتبة *
لا يوجد. تجربة اولى لي معها.
---------------
* نظرة على الغلاف *
حمل الغلاف رمزية كبيرة من خلال ثلاثة نساء يمثلن أجيال متعاقبة ، يشكلن في الخلفية جزءاً من وثيقة ما كدلالة لعنوان الرواية وكأنهن احدى بنودها التي لا يمكن تغييرها.
لا توجد ملامح واضحة لهن باستثناء أصغرهن كرمزية لمستقبل قد يكون اكثر تحرراً من أغلال الماضي العقيم.
---------------
* المميزات / نقاط القوة *
- شخصيات رمادية تسير على خط واهي يفصل بين قناعتها المزيفة وخوفها المُزمن.
- مواجهة جريئة وحرة لأيدولوچيات عقيمة متوارثة عبر الأجيال.
- أسلوب سردي غاية في العذوبة والسلاسة.
- لغة ثقيلة الوطء تحمل لمسات فلسفية وشاعرية.
-----
* الملاحظات *
- قد تكون الحكاية تقليدية نوعاً ولها مثيلاتها على مستوى الأوطان العربية لكن يبقى خصوصية التناول والتفاصيل.
---------------
* فلسفة / رسالة الرواية *
حق تقرير المصير ، البحث عن الحرية والحب في مواجهة شائكة ضد الانغلاق على الذات ، التشرنق ، رفض التغيير ، الإيمان الأعمى بالموروثات وتحجيم العقل ، يترك من الندوب والجراح ما لا يمكن شفاؤه بسهولة وعلينا ان نتعايش ونتكيف كي نحفظ لأنفسنا بعضاً من التوازن والقدرة على الاستمرار.
---------------
مراجعة الرواية:
هي حكاية كل المجتمعات المنغلقة على نفسها والتي قررت الاكتفاء بما هو موجود ومتوارث وانه ليس بالإمكان ما هو افضل مما كان.
دنيا الله واسعة ولم يخلقنا كي نبني أسواراً على انفسنا بحجة اننا نحافظ على الهوية والعقيدة. هذا لن ينتج عنه الا التطرف والتشدد والغاء وتعطيل كامل للعقل الذي انعم به الله على عباده. للأسف العواقب دائماً وخيمة وتتوارثها الأجيال.
رحلة مُرهقة ذهنياً ونفسياً للخروج من شرنقات العادات والتقاليد البالية والتي سنكتشف سوياً ان ابطالها لا يمتلكون القناعة الكافية للتمسك بها ولكن الانسان دائماً ما يريح نفسه بالتماهي والقبول الظاهري كي يحافظ على صورة مهترئة سرعان ما تتمزق مع اول هبوب لرياح العقل والمنطق.
* الفكرة / الحبكة *
من خلال فتاة درزية ( أمل بونمر ) تعيش داخل ضيعة جبلية وسط مجتمع محدود يخشى على نفسه من التلاشي والانقراض ، تجد نفسها في رحلة شاقة وعسيرة في محاولة للخروج من شرنقة ( ميثاق نسائي ) عقيم بحثاً عن دفقة هواء تعيد لها بريق روحها المطموسة عمداً مع سبق الجهل والترصد.
صراعات نفسية ومجتمعية عديدة وتأرجح ما بين الابتزاز العاطفي والديني والصمت وبين الرغبة الكامنة في المواجهة ، تبدو كأنهار فكرية جارية تتصدع على إثرها جبال شاهقة من التجاهل والتماهي والانكار ينتج عنها بزوغ لشمس الحرية والارادة الحرة وحق تقرير المصير.
* السرد / البناء الدرامي *
جاءت الحكاية على لسان ( أمل ) - راوي متكلم - لتكشف وتميط اللثام عن المجتمع الدرزي بعقائده المتوارثة ونمط حياته الاجتماعي المنغلق على نفسه. لن تجد نفسك كقارىء غريباً عن القضية. اينما تكون ستجد حولك مجتمعات شبيهه. الكل في التطرف والتشدد سواء. الاختلاف يكمن فقط في التفاصيل.
كشف السرد عن حالة تشظي رهيبة داخل المجتمع الدرزي ، لم ينج منها ابناؤه للأسف. ما بين اعتماد العقل كعقيدة ثابتة لديهم وبين أفعال تدل على انعدامه تجد نفسك بداخل بحر متلاطم مليء بتناقضات لا نهاية لها.
يدخل القارىء في حالة عجيبة من التصديق والرفض لما يحدث أمامه في آن واحد. لا تدري اتتعاطف مع هكذا مجتمع ام ترغب في الفرار منه بجلدك كحال ( أمل ) !. تجد نفسك تتسائل لماذا يصر الانسان على ان يخنق نفسه بيديه ؟. الله منحنا أكبر نعمه لم يمنحها لملائكته ، نعمة الحرية والاختيار. لم الإصرار على وأدها بحجة الشكل الاجتماعي او الهيبة او الأسوأ بحرمان أنفسنا من باقي أنعم الله علينا تحت مسمى الرضا والتسليم وان هذا قدرنا ؟.
جاء النص مُحملاً بتساؤلات عميقة حول الهوية والذات والإيمان والحرية في إطار من الفلسفة البسيطة المُغلفة بلمسة شاعرية لا تخطئها العين.
بناء الاحداث مزج بين الحاضر والفلاش باك بشكل متناغم يضع القارىء في الصورة ويمهد له الطريق الواعر المتوقع السير فيه.
* الشخصيات *
واحدة من امتع العناصر بدون شك. قدمت الكاتبة نموذج ممتع للشخصية الشرقية الغارقة حتى النخاع في الازدواجية على كل الأصعدة ، عقائدياً ودينياً واجتماعياً.
نجد شخصية ( الأب علي ) على قدر هائل من التشدد ، وعندما نتعمق اكثر بداخله نجده يسير على درب الأسلاف تحت مسمى الحفاظ على الصورة والشكل العام المتوارث. يدعي ايمانه المطلق بالعقل وعندما تشاهد تصرفاته وافعاله تجده ابعد ما يكون عن كليهما.
نذهب الى شخصية ( الزوج سالم ) نجده نموذج مُصغر للرجل الواقع بين مطرقة العائلة بموروثاتها وسندان التمدن والتحضر.
بالنسبة للعنصر النسائي:
- الاكبر سناً ( الأم والعمة ) نجدهن لجأن الى المواجهة بالصمت والتماهي مع الامور. التظاهر بأن ما يحدث هو قدر لا يمكن رده ولا تجوز مخالفته.
- أما الجيل الأحدث ( البطلة أمل واختها نيرمين ) كن صاحبات الشرارة في محاولة الخروج من الشرنقة. ( أمل ) بعد ان سارت على درب الأم واختارت الصمت وعدم المواجهة اصابها العطب ووجدت نفسها في مفترق طرق يحتم عليها الاختيار بين ان تبحث عن نفسها او تنضم لقافلة ( جعلوها فانجعلت ).
( الاخت نيرمين ) رغم قلة ظهورها في الأحداث لكنها أكثر شخصية اعجبتني في الرواية. فتاة ثائرة منذ الصغر وعنيدة وصعبة المراس يحدث لها ما يمكن ان نسميه برِدة ثقافية واجتماعية نتيجة هواجس حاربتها على مدار عمرها وحرصت على انكارها. في لحظة فارقة تلبسها انعدام المنطق والعقلانية وعادت لسيرة الجاهلية الاولى !. ( نيرمين ) من أجمل الشخصيات التي قدمتها الكاتبة بدون شك.
الشخصيات يكتمل بناؤها لدى القارىء بتتطور الحدث وتتابعه. قد تبدو بعض التصرفات وردود الافعال غير مفهومة او غير منطقية في لحظة ما لكن سرعان ما يتضح كل شيء عندما نتعمق أكثر وأكثر بداخل الشخصية.
* اللغة / الحوار *
- جاءت لغة السرد مُشبعة بالقهر والألم مع لمسات شاعرية وفلسفية في العديد من المواضع. ما يميزها انها جاءت على لسان البطلة وهذا يعد عاملاً جوهرياً في ادخال القارىء في حالة تقمص للشخصية بشكل كبير جداً. من جماليات اللغة هنا أيضاً أنها جمعت كل الأضداد في نص ادبي واحد. لغة جلد الذات والتماهي وأيضاً لغة الأمل والحرية والبحث عن مخرج.
- لغة الحوار جاءت بالعامية اللبنانية واعتقد انها الانسب. كل شخصية تحدثت بلسان حالها. كذلك كشفت اللغة عن مكنونات الشخصيات وأظهرت بشكل واضح كم التناقض بين ما تصرح به وما تضمره بداخلها.
* النهاية *
لا تبكي على اطلال اسلافك ولا تُحمل نفسك بإرث ثقيل من التناقضات. جد طريقك نحو مستقبل اكثر اشراقاً وانفتاحاً على الأخر. هويتك انت من تقررها. عقلك هو من سيحررك ويجعلك ترى الأمور بشكل أكثر منطقية.
ستخرج من المعركة محملاً بآلام وندوب لن يمحيها الزمن ، هذا صحيح. لكنها يوماً ما ستكون بصمة واضحة على انك استحققت حريتك وتملكت ارادتك.