تأخذنا رواية” مع مرتبة الشرف“ في رحلة إنسانية وفكرية مشوّقة، عبر شخصية بطلها وليد أبو المكارم، القادم من عائلة مصرية عريقة ارتبط اسمها بمهنة الطب منذ عهد الملك فاروق. غير أنّ وليد يقرر كسر هذا الإرث العائلي، حين يختار طريق الهندسة الإلكترونية والاتصالات، خاصة مع بدايات انتشار شبكات الهواتف المحمولة في مصر أواخر التسعينيات. قرار لم يكن مجرد تمرّد على تقليد عائلي، بل كان إعلانًا عن شغف شخصي، وتعهد داخلي بأن يصبح صاحب إنجاز أكاديمي مؤثر في مجاله.
الرواية تكشف بجرأة الصراع المزدوج الذي يعيشه وليد:
من جهة، سعيه العلمي والأكاديمي لنيل الماجستير والدكتوراه، والحلم بأن يصبح أستاذًا جامعيًا مرموقًا، وربما عميدًا للكلية.
ومن جهة أخرى، متطلبات الواقع المادي والاجتماعي الضاغط، التي لا تعترف كثيرًا بقيمة الإنجاز العلمي، وتضع أمامه عوائق الزواج والاستقرار وبناء أسرة.
هذه الثنائية تمنح النص عمقًا دراميًا وإنسانيا، إذ يضع القارئ أمام إشكالية أزلية: هل يمكن تحقيق المعادلة الصعبة بين التحقق العلمي ومتطلبات الحياة اليومية؟ أم أنّ المجتمع المادي يظل عائقًا دائمًا أمام الأحلام الكبرى؟
(عمرو حسين ) يطرح من خلال السرد تساؤلات عن معنى الطموح، وعن جدوى التفوق العلمي في بيئة لا توفر للباحثين الدعم الكافي، لتصبح الرواية مرآة لواقع شريحة من الشباب المصري والعربي الذين يجدون أنفسهم ممزقين بين متطلبات العلم و المعرفة وبين ضغوط لقمة العيش.
من الناحية الأدبية، اعتمد النص على صوت سردي واحد هو صوت البطل "وليد". هذا الخيار أضفى على السرد طابعًا شخصيًا حميميًا، لكنه في الوقت ذاته ضيّق من مساحة الرؤية. فالرواية تضم العديد من الشخصيات المؤثرة التي كان من الممكن والمهم أن يمنحها ( عمرو ) صوتًا خاصًا بها ليتشكل أمام القارئ نسيج متعدد الرؤى والزوايا ويمنح الأحداث عمقًا أكبر. إنّ تعدد الأصوات السردية فى هذا العمل تحديدا كنت أراه_ من وجهة نظرى الشخصية_ ضرورة أدبية من شأنه أن يثري النص، خاصة وأن ( وليد ) نفسه راوٍ غير عليم، وقدم الأحداث من زاويته المحدودة.
رغم هذا التحفّظ الفني البسيط، تظل ( مع مرتبة الشرف) رواية جادة وممتعة، إذطرحت قضايا واقعية وملحّة ومزجت بين الدراما الإنسانية والهمّ الاجتماعي، في قالب سردي بسيط ومؤثر. إنها عمل يذكّر القارئ بقيمة الشغف وبأن الطموح العلمي لا يقل أهمية عن أي طموح آخر، بل قد يكون الطريق الأسمى لبناء المستقبل.

