الألم يُحصد الآن > مراجعات رواية الألم يُحصد الآن > مراجعة Fedaa El Rasole

الألم يُحصد الآن - دينا ممدوح
تحميل الكتاب

الألم يُحصد الآن

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

" بشكل عام الإنسان مخبأ أسرار..والطبيب النفسي هو مفتاح هذا المخبأ ".

يتباهي الناس بمهنتهم إن درسوها عن حُب واختاروها عن اقتناع..ومن السطر الأول يبدوا أننا في حضرة طبيبٍ نفسيّ يهوي مهنته ويُمارسها بجدارة..بدا ذلك واضحاً في نمط مقدمة الحكاية وظهر جلياً في ترتيباته لملفات مرضاه وحكاياته عنهم بشغف جعلنا منذ البدايَةَ نتوق إلي معرفة حكايات هؤلاء المرضي وكيفية تعامل الطبيب معهم.

فُتح الدفتر الأول والذي يُمكن أن نُسميه بـ " آفة الجمال "..فبينما قضت سُنة الله أن تتفاوت النساء في درجات الجمال وأنواعه..كان من الضروريّ أن يجيء وقت لهذا الجمال ويزول بفعل نفس السُنّة..لأنَّه لا أحد باقٍ ولا شيء في هذا العالم دائم الوضع..وبدلاً من أن تتعايش "أريج" - وهو الاسم المُستعار الذي كناها الطبيب به - مع تلك السُنن جميعاً..رفضت أن تري بُهتان جمالها وسريان التجاعيد في أنحاء جسدها..هي تري الجمال ثروتها الوحيدة وترفض أن يعبث جسدها معها بأي شكل مهما بدا طبيعياً ويحدث للجميع..لكن أُمها عوّدتها أنها ليست كالجميع..ولن توضع معهم أو تكون مثلهم..

المُؤشر البارز في هذه الحكاية هو مدي التأثر الذي يُبنَي بداخل الطفل مُنذ صغره وتأثير العامل التربوي الكبير عليه مهما تقدم به العمر أو استطال..استجابت "أريج" وإن بشكلٍ ضعيف لأمارات الطبيب بالحدّ من عمليات التجميل وحقن البشرة..لكنّ استجابتها هذه أتت بعد وفاة أُمها..مُربيتها وداعمتها الأولي ومُنشأتها التي أورثتها مرض الاهتمام التام بالجسد والمظهر مهما تكلف الأمر..

رُبما في الحكاية تفاصيل أُخري عن انتهازية "أريج" وتركيبة شخصيتها المملوءة بأزمات ثانوية غير مُشكلتها الحقيقية التي أتت بها لعيادة الطبيب..لكن برأيي أنها لو تربّت علي الاهتمام بالروح والنظر إلي أعماق الأشياء بدلاً من الوقوف علي سطحها لظلّت شابّة مهما استطال عمرها..ولانعكست روحها إن امتلأت بالحب فأشرق قلبها وجسدها معاً..لكنّ الإنسان بشكلٍ عام أسير ما يرث وما ينشأ عليه..

تتابعت حكايات الطبيب عن مرضاه المُفضلين أو ما يعتبرهم ذو أهمية كبيرة دون غيرهم من الحالات التي يُتابعها..لم يُصبني شغف التتبع لحكاية مثلما اهتتمت بتفاصيل حكاية غالية التي تنافت صفاتها عن كُل ارتباطٍ بما هو غال..الأُسرة التي تعيش حياة مثالية ظاهرياً ويتمتع أهلها بسمتٍ خاص لا تنعم به جميع البيوت أو تتمناه..كُشف سر تلك الأُسرة وبها بريقها بفضل تتبع أصغر عضوٍ فيها..

عادةً لا يحتمل العقل البشريّ الحقائق..يحاول جاهداً الهرب منها..يرفض مُسايرتها..يُراوغ تصديقها بأقصي مجهودٍ مُمكن..لأن قبول الحقائق سيترتب عليه الكثير من التغيير والصدمة التي يُمكن أن تذهب بشخوصنا الحاليين فلا نعود بعدها كما كُنَّا أبدا..هذا عادةً ما يحدث للكبار المُدركين لتفاصيل الحياة والفاهمين لمجونها وجنونها وأقدارها وبلاءاتها..فكيف بطفلة لا تدري من الحياة سوي معالمها التي تربّت عليها في المنزل الدافئ الذي تمنّت أن تحوز مثله عندما تكبُر..ذاك المنزل الذي اكتشفت أنَّهُ لعنتها الكُبري فأغرقت روحها في دنس الحياة بفعل ما رأت فيه..

انتهت غالية في رواية تسجيلات الطبيب وأُغلق الملف الذي حكي فيه عنها..لكنّ ذلك لن يُرضي فضولي الذي أراد أن يعلم تلك النهاية التي ستهبط بها الأقدار علي غالية بعد ما دارت روحها في تقلبات الحياة..وغير أنّي نويت أن أنقُد الكاتبة في بتر تلك القصة وانتهائها المُفاجيء علي لسان الطبيب الراوي..فإنَّ ما تلا الرواية من أحداث شفع لها في حصول النهاية ووصولها لذاك البر الذي كان لازماً لها أن تصل إليه..

دائماً ما كُنتُ أتساءل أين يذهب الطبيب بحكاياته؟..إن كان يُرشد الناس إلي طريق العلاج فكيف يتعافىٰ هو من أثر تلك الحكايات الثقيلة علي النفس والمُؤذية لها..جاوبتني دينا بسرديتها التي حملت طريقتها الخاصة في مُباشرة الأمر..رأيت بعقلي أنَّ القصة منطقية..لا، بل حقيقية.. وبدلاً من أن يُعالج الطبيب مرضاه يُمكنه أن يتلاعب بهم عن طريق ما يعلمه عنهم ولا يعرفه سواه..لكنّ الذكي دائماً أو فلنقُل المريض..هو وحده من يظن أنَّهُ لا يوجد علي الأرض أذكي منه ولا أجود منه حتيٰ في باحات الشر..وقد سمحت شخصية الطبيب منذ البداية بأن يكون انتهازياً مُحبّاً للحياة والنفوذ والشُهرة..فأتت نهايتة من تلك الجهة المأمونة التي لم يعمل لها أيّ حساب..

بدأت الرواية برتمٍ بطيء وأدخلتنا الكاتبة في أجواء العمل سريعاً دون تمهيدٍ مُناسب وذلك هو مأخذي الوحيد علي النصف الأول من العمل..أمّا ما يشفع لها في النص التالي من العمل هو التأنّي في استكمال تناول الأحداث وكشف التفاصيل برويّة أوضحت الكثير مما ظننا أنَّه تغافُل في الجزء الأول..ومُسايرة الأحداث بما يتناسب مع كُل شخصية اختارتها الكاتبة أن تستمر في الحكاية حتيٰ آخرها وهي نقطة مهمة أيضاً..

تناولت دينا الأمراض النفسية المُجتمعية بفعل القصص..وشكّلت عالماً صنعته بمهارة العالم بتفاصيل الحياة ومكنوناتها وما يُمكن أن يعتمل الإنسان فيها من أذيً لمُجرد أنَّهُ فقط أراد الحياة بهدوء ورفق..أراد أن يتصالح مع أزماته وماضيه وهواجسه ومخاوفه..ورغم كُل ذلك الضجيج الذي حملته صفحات العمل إلّا أن الرزانة كانت سمتٌ بارز تُحكي به التفاصيل بتأنٍ واضح..والنهاية كانت مُصيبه علي نحوٍ صحيح وهادئة تماماً لمحو كل آثار الزحام الذي تخلل القصص وتفاصيلها..

رُبما أنها رواية دينا الأولي..ورُبما أن الأمور سارت بشكلٍ أكثر من جيد علي مناحي مُختلفة في تفاصيل العمل حيث السرد والكتابة ورسم الأشخاص وأنماط حياتهم بما يتناسب مع الحبكة..ولكن دينا مُحِبّة للكتابة..تتعامل معها بإخلاص وصدق لِذا أنتظر منها الكثير فيما هو قادم..وأثق في أنّها ستذهب لما هو أبعد من حصاد الألم فقط..

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق