مقدمة
تأتي مجموعة «البيه مش بواب» للكاتبة شيماء الإتربي – الصادرة عن دار إبهار للنشر والتوزيع (طبعة 2023/2024، في حدود 143–148 صفحة) – لتطرح نفسها بوصفها تجربة أدبية ذات منحى نفسي/اجتماعي بامتياز. شيماء الإتربي ليست كاتبة تقليدية، فهي أخصائية في الإرشاد النفسي والأسري وتعديل سلوك الأطفال، وهذا الانغماس في تفاصيل النفس البشرية ينعكس بوضوح على صفحات كتابها، حيث تنجلي القصص كمرآة دقيقة تعكس تقاطعات الحب والخذلان والقلق والأمل، داخل العائلة والمجتمع.
---
عن العمل
المجموعة تضم أربع عشرة قصة قصيرة، تختلف في أحداثها وأبطالها لكنها تتفق جميعًا في تركيزها على البعد النفسي، وكيف يشكّل هذا البعد لبّ العلاقات الإنسانية داخل الأسرة أو بين الأزواج أو حتى في علاقة الإنسان بذاته. اللغة تجمع بين الفصحى الرصينة في السرد والعامية المصرية في الحوار، وهو خيار جعل القصص أكثر قربًا وواقعية لدى القارئ.
الغلاف – وإن بدا بسيطًا – يلمح إلى فكرة الظلال الإنسانية التي قد تخفي وراءها صراعات داخلية لا تُرى للوهلة الأولى، مما يتناغم مع الرسالة المركزية للعمل: أن وراء كل ابتسامة أو حكاية هادئة تاريخًا نفسيًا مضطربًا أو هشًا أحيانًا.
---
وجوه الحكايات
لا تُقرأ هذه النصوص لمجرد التسلية، بل باعتبارها مرايا عاكسة لحيوات قد نجد أنفسنا فيها أو نجد فيها ملامح أقربائنا وأصدقائنا:
"صابر": طفل رُبّي على الصرامة المطلقة حتى كُسرت داخله الرغبة في التعبير. وحين شبّ، وجد نفسه سجينًا لمبادئ جامدة، غير قادر على الانفتاح على الحياة. قصة قصيرة، لكنها تصرخ في وجه نمط تربية لا يزال شائعًا في مجتمعاتنا.
"6 إكس": زوجان، فادي وريم، جمعتهما أرضية مشتركة من حب وود، قبل أن تتسلل الفتنة إلى حياتهما. النص يطرح سؤالًا مؤلمًا: هل يمكن أن يُمحى ماضٍ طويل من العاطفة والوفاء بخلاف عابر؟
"الرقصة الأخيرة": عمر ووردة، حكاية حب ممتدة منذ الطفولة، لكنها تنتهي بانفصال مدوٍّ. وردة جعلت من عمر كل حياتها، فلما اختفى، انهارت. هنا تأتي الرسالة: لا بد من تنويع مصادر التعلّق، فلا يسند القلبُ كل ثقله إلى شخص واحد.
"تذكرة رايح جاي": قصة خاطفة، لكن وقعها عميق، ترصد ثمن الغربة خلف أرقام العملة: العمر المهدور، الوحدة، وانكسار الألفة.
"البيه مش بواب": القصة الأطول والأكثر اكتمالًا، وفيها يظهر العنوان الذي يحمل مفارقة قوية. رامي عز الدين، ابن رجل ثري، لم يرَ من الدنيا سوى التدليل. الأب يقرر أخيرًا أن يُلقي بابنه في اختبار الحياة ليصنع منه رجلًا يعرف قيمة العمل. النص، بعمقه النفسي والاجتماعي، يطرح معادلة التربية بين الشدة واللين، ويقدّم درسه الإرشادي عبر السرد لا عبر المواعظ المباشرة.
الموضوعات والمحاور
الأسرة والعلاقات الزوجية: بعض القصص تضيء على زواج قائم على الحب والثراء والذرية، لكنه لا يصمد أمام غياب التفاهم النفسي، فيكشف أن الحب وحده لا يكفي.
الآباء والأبناء: التركيز على كيفية زرع الشخصية السليمة في الأبناء، وكيف أن التربية السليمة تحمل أثرًا أبعد من مجرد الإنجاب أو الرعاية المادية.
الخذلان والأمل: تتنقل القصص بين مشاعر الانكسار حين تنهار العلاقات وبين بارقة الأمل في إمكانية التجاوز والتعافي.
الهوية والكرامة الإنسانية: القصة التي تحمل عنوان المجموعة «البيه مش بواب» تمثل قلب العمل، حيث تبرز قضية احترام الذات، والتنشئة القائمة على الوعي والاعتزاز بالكرامة، وهي أكثر قصص المجموعة نضجًا وإقناعًا.
---
الأسلوب واللغة
كتبت شيماء الإتربي بأسلوب قصير مكثف، قادر على أن يقول الكثير في سطور قليلة، دون إسراف أو إطالة. الحوار بالعامية المصرية جاء طبيعيًا وصادقًا، يعكس نبض الشخصيات ومحيطها، فيما حافظ السرد على فصاحته وبلاغته. هذا التوازن بين الفصحى والعامية أضفى مرونة ودفئًا على النصوص، رغم أن بعض القراء ربما كانوا يفضلون الاقتصار على الفصحى.
كما أضافت الكاتبة قبل بعض القصص مداخل نفسية تحليلية، تضع القارئ في السياق الفكري قبل الدخول إلى الحكاية، وهو أسلوب غير شائع في المجموعات القصصية، لكنه هنا منح النصوص بعدًا إضافيًا، وعمّق أثرها.
---
نقاط القوة
1. الجانب النفسي: وهو العلامة الفارقة في العمل، حيث نجحت الكاتبة في تقديم تحليل دقيق للعلاقات الإنسانية.
2. التنوع الموضوعي: رغم وحدة التيمة النفسية، إلا أن كل قصة تفتح زاوية جديدة، من الحب والخذلان إلى الطلاق والتربية.
3. اللغة المزدوجة: التوظيف الذكي للفصحى والعامية جعل النصوص أكثر قربًا من القارئ.
4. الصدق الفني: بعض القصص تبدو كما لو كانت حكايات حقيقية من الواقع، وهو ما يمنحها قوة تأثير عالية.
---
الملاحظات
بعض القصص بدت قصيرة جدًا، كأنها ومضات أكثر من كونها قصصًا مكتملة البناء، وكان يمكن أن تُمنح مساحات أوسع للتعمق.
التحليل النفسي المباشر قبل القصص – رغم جدته – قد يشعر بعض القراء بأنه أشبه بمحاضرة أو تفسير مُسبق يقلل من فسحة التأويل.
---
الأثر على القارئ
يخرج القارئ من «البيه مش بواب» وفي داخله إحساس بأنه شارك أبطال القصص صراعاتهم ومخاوفهم وأحلامهم، وكأنه نظر في مرآة تعكس حياته أو حياة من حوله. المجموعة ليست مجرد حكايات للتسلية، بل نصوص تتقاطع مع التجربة الإنسانية اليومية، وتدفع القارئ للتفكير في ذاته وعلاقاته وماضيه ومستقبله.
---
الخاتمة والتقييم
«البيه مش بواب» مجموعة قصصية نفسية/اجتماعية بامتياز، تضع شيماء الإتربي ضمن الأسماء الواعدة التي تمزج بين خبرتها العملية في الإرشاد الأسري وقدرتها الأدبية على السرد. ليست مجموعة مثالية من دون هنات، لكنها صادقة، مؤثرة، ومختلفة.
⭐ التقييم: 4 من 5 نجوم
(عمل جدير بالقراءة لكل من يهتم بالأدب النفسي والعلاقات الإنسانية).