في قلب الصحراء الممتدة على الحدود المصرية – السودانية وتحديداً في منطقة (بير طويل) ذلك المكان النائى، يشمخ هناك"قصر التيه" كرمز مهيب اللعنة. قصرا لا يجرؤ أحد على دخوله، إذ يُحكى أن كل من اجتاز بوابته ابتلعه التيه الأبدي ليختفي بلا أثر. من هذا الفضاء الأسطوري ينسج
(أحمد النصار) روايته "قصر التيه"، واضعاً القارئ أمام تجربة إنسانية وفلسفية ونفسية شديدة العمق.
وليصحبنا فى رحلة أدبية فريدة، مزجت ببراعة
بين الواقع والخيال.
تدور أحداث الرواية حول شخصية( ياسين )، الشاب الذي أثقلته عقده النفسية وإيمانه العميق بفشله. هو شخص دأب على جلد ذاته إذ بداخله قناعة أنه انسان فاشل بل و غير جدير بالحياة، تلك القناعة التى ظلت تنمو حتى صار فشله نبوءة ذاتية تتحقق في كل خطوة يخطوها. فسيطرت عليه مشاعر الإحباط واليأس وفقدان الثقة بالنفس، وسنكتشف
بالطبع من خلال الأحداث جذور تلك القناعة وكيف دمرت
نفسية بطل الرواية
مما دفعه أن يخوض مغامرة مصيرية: دخول قصر التيه.
وخوض بداخله رحلة وجودية: إما أن يخرج " ياسين “ منها إنساناً ناجحا يستحق الحياه، أو يهلك في
أعماقه إلى الأبد.
كلما توغلنا أعمق داخل العمل أدركنا أن القصر لم يكن مجرد بناء غامض فحسب، بل استعارة كبرى للتيه النفسي والوجودي الذي يعانيه الإنسان عموما وبطل
الرواية خاصة، وكيف يمكن حقا لعقباتنا النفسية
أن تتحول إلى سجون حقيقية.
فضلا عن أن الرواية تحفر عميقا في النفس البشرية، كاشفة عن عقدها وأوهامها وخوفها من مواجهة الذات.
وكل ذلك يجرى فى اطار حبكة روائية مشوقة ومثيرة
المفاجآت المذهلة التي يخبئها السرد لا تهدف فقط إلى إثارة التشويق، بل تعمل كمنعطفات قوية تكشف عن المزيد من خبايا الشخصيات وتعمق من فهمنا لما يعتمل داخلها
وكل منعطف سردي منها يكشف أسراراً غير متوقعة، تقلب مجرى الأحداث وتدفع القارئ إلى إعادة النظر فيما يعتقده عن الشخصيات.
أيضا تتقاطع بين طيات صفحات العمل الفكر بالفانتازيا لتتحول الرواية إلى رحلة أسئلة كبرى: من نحن؟ ما جدوى وجودنا؟ وهل يمكن للإنسان أن ينتصر على ضعفه ويهزم شبح عقده النفسية؟
لغة النصار مشبعة بالصور البلاغية والتشبيهات الأدبية الجميلة والمعبرة لكنها في الوقت نفسه غنية بالصورة والنجسيد الدرامى الممتع للكلمة والحوار.
"قصر التيه" ليست رواية غموض وفانتازيا فحسب، بل عمل أدبي عميق يضع القارئ أمام مرآة نفسه. أستخدم فيه الكاتب علم التحليل النفسى بكل براعة كما أننا سنخوض مع ياسين رحلته المأزومة فى مواجهة معضلاته النفسية
ما منح القصة أبعادا إنسانية هامة وعميقة.
رواية "قصر التيه" عمل أدبي مميز يجمع بين التشويق والفلسفة، بين الفانتازيا والواقعية النفسية. هي رحلة في دروب التيه الخارجي والداخلي، تجعل القارئ شريكاً في المغامرة، وفى مواجهة مع ذاته قبل أن تكون مع بطلها.
أحمد النصار في هذا العمل يثبت أنه كاتب يمتلك وعياً سيكولوجياً عميقاً بالنفس الأنسانية وقدرة سردية بديعة مكنته من تحويل” القصر “ فى قصته من فضاء أسطوري إلى رمز خالد للبحث عن الذات والخلاص، وفيما إذا كان التيه الحقيقي يقع بين جدران القصور، أم في أعماق أنفسنا.