الرواية: أصل الأنواع.
الكاتب: أحمد عبد اللطيف.
دار النشر: منشورات حياة.
عدد الصفحات: 281.
❞ إن من بين كل موتانا يبقى موت الزوجة جرحًا ينزف بلا توقفٍ وكلما بحثتَ عن منبعه ظهر لك منبعٌ جديد ويفكر إن كان موت الأب كسرًا للظهر وموت الأم خسارةً مؤلمة ليدٍ ولشخصٍ يغفر لك كل خطاياك مهما عظمت فموت الزوجة بالذات لو هي الحبيبة الأولى ورفيقة الحزن واليأس والفرح والآمال وصاحبة خروجات السينما والمراكب الشراعية ومطبِّبةً وقت الضعف بيدٍ لا تكل ونظرة حانية ندر أن تقابل مثلها موت هذه الزوجة خنجرٌ نافذٌ في القلب ومهما حاولنا مداواته لا نشفى منه ❝
في رواية من نوع جديد، تبدأ الرواية من رام، المهندس المدني، الذي يعاني من جرح عميق بفقدانه لزوجته نيفين، ومحاولته المستمرة في البحث عن من يجذبه من ظلال الماضي، ليتعرف إلى مريم التي وجد بها شبهاً كبيراً من زوجته نيفين، سواء من المظهر أو الروح، ثم افتراقه عنها لشعورها بحبه لها كونها تشبه زوجته، ليستيقظ ذات صباح متفاجئاً بسقوط شعر جسده كاملاً ليكون كما لو أنه طفل، مع خوفه البالغ من الأشباح والظلام، ومعاناته مع تعدد شخصياته، وتكليفه بهدم المقابر والتي كان يرفضها لخوفه من انتقام الموتى منه وخوفه من هدم قبر نيفين على الرغم من كونه خارج المخطط.
❞ زنزانة المبتورين وهي زنزانة نسكنها رغمًا عنا حين نستاء من الحياة لأنها قست علينا فبترت منَّا الطمأنينة وزرعت مكانها القلق والخوف والميلانكوليا وهي أعراض طبيعية لمن تيتموا في طفولتهم والميلانكوليا بالتحديد ما كانت تشعر به ناريمان هذا القفص المطوِّق لنا وتوقنا إلى الهروب منه من دون قدرة وهذا الحرمان من اللمس الطبيعي بين أب وابنة وحبيب وحبيبة وهذه النظرة إذ تحرِّرنا من شعورنا بالنقصان ❝
نكمل الرواية من جهة أخرى مع باتشان الذي يدير متجراً للفواكه بعد أن ترك السرقة وصار عميلاً للمخابرات بنقل ما يحصل حوله في الأحياء مقابل خروجه من السجن وعمله في متجر الفواكه، وزواجه من ناريمان التي أحبها على الرغم من شعوره بأنهما في علاقة أخذ وعطاء، ليفاجأ ذات يوم باختفاء أصابع يده العشرة دون جرح أو أثر بتر.
❞ ثمة حزن ينتابنا حين نفقد شيئًا حتى لو كان الشيء لا قيمة حقيقية له نظل نتتبَّعه بأعيننا وهو يرحل خطوة خطوة ونقول لأنفسنا لم يكن يهمُّنا لم يكن له فائدة لكننا في قرارة أنفسنا نشتاق إلى استرداده بل وربما نعرف قيمته الحقيقية مع فقده من هنا تأتي فكرة الكراكيب مراكمة أشياء كانت ذات يومٍ بأهمية ما وحين فقدها لم نستغن عنها لأننا مصابون بعقدة الفقد فإذا كانت هذه طبيعتنا مع الأشياء الصغيرة فكيف سيكون حالنا مع فقد الأصابع ❝
من جهة ثالثة، تحدثت الرواية عن كابتن كرة القدم يحيى الحافي، الذي بمعجزة صار من أشهر لاعبي كرة القدم، حينما زاره اللاعب الشهير مارادونا في حلمه وعلمه أساسيات لعب كرة القدم وحركات تساعده، وما إن وصل أخيراً إلى النهائيات، حتى سقط أرضاً متفاجئاً بفقدانه أصابع قدمه العشرة دون جرحٍ أو بتر.
❞ لكنه يرى ببساطة أنه التطور البشري مصير الإنسان بعضنا يصل قبل البعض الآخر لكننا جميعًا سنصل في نهاية المطاف يقول إن جيلًا بعد جيلٍ يحدث هذا التطور من دون أي جهد وحين يحدث هذا التطور لإنسان يكُف عن البكاء والتأثر يبدو له حدوث الأشياء أيًّا كانت الأشياء أمرًا طبيعيًّا له مقدمات وخواتم له معطيات ونتائج وحتى نبلغ هذا التطور نظل نندهش نظل نُصدَم نظل نسأل عن السبب أو حتى نلجأ إلى الخرافة ❝
أبرزت الرواية في براعة فائقة المشاعر و الأحاسيس التي عانها كل فرد في الرواية، مع عدم وجود فاصل أو علامات ترقيم، كأن الأحرف والمشاعر سوف تهرب من القلم إذا لم يكتبها بسرعة، لتبدو الرواية مبعثرة غير مرتبة في ظاهر الأمر، مع استخدام الكاتب للتهجئة الأبجدية القديمة وأرقامها، لكنه أحكم جمع التفاصيل وربطها مع بعضها البعض.
الرواية لغتها قوية، على الرغم من شعوري في بدايتها بالضيق لعدم وجود فصلات وعدم القدرة على الوقوف عند نقطة محددة، مع وجود مشاهد غير لائقة قد تكون مهمة لتوظيف الأحداث، والنهاية جاءت خيالية غريبة لم تعجبني للأسف.
اقتباسات:
❞ يتمنَّى لو تعود إليه ليُصحح خطأه وليبادل معها الأدوار فيُعِد لها فنجان القهوة ويكون يدًا تمسح عنها مرضها الأخير وينفخ في رئتها من روحه ليعيد إليها الأنفاس المتقطعة وتجف دموعها الصامتة ❝
❞ إن الناس يتكيفون سريعًا كما نرى ويعتادون الجديد كأنه عودة إلى القديم ولدى الإنسان قدرة على تغيير جلده في كل الظروف كما يفعل الثعبان والظروف الجديدة يتدربون عليها بل وربما يجدون فيها سعادة لم يروها من قبل ❝