مراجعة كتاب
أصل الأنواع
تأليف: أحمد عبد اللطيف
صادر عن: منشورات حياة
النوع: نفسي/ فلسفي/ خيالي/ ساخر
الإصدار: يونيو 2025
عدد الصفحات: 258 صفحة (أبجد).
اللغة: فصحى سردًا وعامية حوارًا
عن الكاتب: أحمد عبد اللطيف، روائي وقاص ومترجم مصري ولد عام 1978، صدر له رواية "عصور دانيال في مدينة الخيوط" عام 2022، ورواية "كتاب النحات" عام 2025 عن دار العين للنشر والتوزيع.
◾️فكرة الرواية:
تتمحور فكرة الرواية حول فلسفة الحياة، من خلال الشعور الإنساني بالفقد والتيه ولحظات اليأس القصوى بمعناها الواسع، سواء داخل النفس أو الوطن، داخل البيت أو مقر العمل.
من خلال تقنية ماذا لو؟ ماذا لو فقد الإنسان أعز ما يملك؟ يستيقط فلا يجد أصابع يديه أو رجليه أو حتى أهم أعضاء جسده، تختفي في ليلة وضحاها بدون سابق إنذار، ماذا ستكون عليه حياته اليومية وعلاقته بمن حوله؟ وكيف يكون رد فعل المجتمع؟
◾️الحبكة:
من خلال شخصية بطل الرواية "رام" بشخصيته الفصامية ما بين التيه والفقد، بحكاياته المتداخلة مع شخصيات أخرى، وكأنهم نسيج المجتمع المصري، أحداث ما بين الواقع والخيال، عالم من الأحياء والأموات، كأنه منولوج طويل يغوص فيه الكاتب بأفكاره ونحن نبحر معه. فهل يمكن أن تطرد اليد أصابعها أم يمتص الكف الأصابع؟ سلسلة من الأحداث حول أشخاص اختفت أصابع قدميهم كأنها خلقت هكذا من البداية، أو سقط شعر جسدهم أو حرموا من أهم عضو من وجهة نظرهم، يتخلل ذلك أحداث هدم المقابر القديمة لبناء المدينة الجديدة ورد فعل الأموات، موضحًا عمق الحياة وطبيعتها وانكساراتها.
◾️الشخصيات:
أجاد الكاتب وصف وبناء شخصياته الرئيسية، حيث تم إظهار ملامحها من خلال وصفه لكل شخصية، فتظهر جلية حقيقة الشخصيات ومعاناتها النفسية ووساوسها القهرية وأشباحها، فمن رام ونسائه نيفين ومريم وفاتن، إلى بتشان وناريمان، إلى يحيى الحافي وليلى، كل له حكايته، التي تجتمع بالنهاية بنفس الحي ونفس المجتمع.
◾️السرد:
استخدم الكاتب الراوي العليم، وقادنا الراوي بمركبه في بحر من الارتياب في جدوى الحياة والخوف من الفقد، كما استخدم الرموز لكي يصف الواقع الذي نعيشه من فقد المشاعر، يحكي لنا بأسلوب أدبي خيالي ساخر أنواع الفقد، وعندما قرر أن الأرقام قد تكون اللغة المناسبة لمرحلة جديدة اختصر الأبجدية بقدر اختصار الواقع، متخللًا كل ذلك وساخرًا من مذلة الخدمة العسكرية والفقر المدقع الذي وضعته الحكومة لمواطنيها وألعاب السلطة القديمة وغيرها من الأمور الاجتماعية.
الحوارات عامية سوقية كان من الممكن حذف بعض الكلمات على لسان الأبطال، لم تخدم السرد وأساءت إلى الكتابة الإبداعية، وأعتقد أنها حرمت بعض القراء من استكمال العمل.
◾️الزمان والمكان:
قام بتحديد المكان تحديدًا دقيقًا، حيث أدخلنا إلى حي المنيل ومقابر مصر القديمة، كما أجاد الكاتب استخدام تقنية الاسترجاع، حيث قام الراوي بترك الزمن الحالي؛ ليسرد بعض الأحداث القديمة عن فترة الستينات.
◾️العنوان والغلاف:
أحسن اختيار العنوان الذي يحمل معنى عميقًا معبرًا جدًا عن رسالة ورمزية الرواية، كما أن تصميم وألوان الغلاف كانت مميزة. تحية تقدير للمصمم أحمد اللباد، حيث أخذني الغلاف من أول وهلة، وبدأت أتصفح رموزه ما بين أصابع يد مبتورة، أصابع تتحرك بمفردها، ساق تمشى بدون صاحبها، أيضًا نوع الخط المكتوب به اسم الرواية أو اللون البنفسجي والأسود والأحمر، فأراه غلاف وعنوان مناسبين ومعبرين عن أحداث الرواية.
أما عناوين الفصول فهي تحمل معنى رمزي عن أحداث المشاهد مثل (أحد الزعف – اثنين البصخة – ثلاثاء البصخة – أربعاء أيوب – خميس العهد – الجمعة العظيمة – سبت النور – أحد القيامة).
◾️الصراعات:
تثير الرواية كثير من الصراعات البشرية عن أصل الأنواع:
- الصراع النفسي بين الحب والشعور بالذنب والغيرة.
- صراع البطل مع أشباح الماضي ومروره بأزمة الفقد.
- صراع البطل مع شخصياته الداخلية (الفصام).
- التيه وعدم الفهم، الحرية والأخلاق، الشك واليقين، وفي النهاية هل يمكن للشخص أن يتصالح مع ذاته؟
- ماذا لو اختفت الأصابع؟ هل يمكن للإنسان أن يفقد أصابعه أو يسقط شعر جسده أو أحد أعضاؤه، أو يفقد لغته؟ وما سيكون شعوره آنذاك؟
◾️اقتباسات:
- الشوارع الضيقة تخلق سلوكًا يختلف عن الشوارع الواسعة والمدينة ذات الميادين الكبيرة أكبر حرية من مدينة بلا ميادين واتساع الأفق أمام العين يمنح هدوءًا لا تجده في النظر إلى الجدران.
- وقع رام في حب مريم ليس لأنه كان مستعدًا لهذا الحب أو يبحث عنه لكنه تسلل إليه ببطء وبهذا البطء ظن أنه غرام عابر فسمح به كنبتة في بيئة غريبة ستموت من تلقاء نفسها.
◾️الخاتمة:
أنهى الكاتب روايته بنهاية خيالية لم ترضيني كقارئ.
◾️الرأي:
كاتب لديه حس ساخر Black comedy، يقدم رسالة إنسانية واضحة عن الفقد ومشاكل المجتمع من الفساد، والعادات المصرية لبعض الأفراد من رجوعهم إلى الدجالين في أمور حياتهم، والخوف من السحر. محاكاة لشعور الفقد طوال الرواية، مشاهد متشابهة مع أعمال سينمائية كأفلام (النوم في العسل – آسف على الإزعاج)، وأيضًا مع أعمال روائية (رواية تاريخ آخر للضحك) من الأدب الصيني.
كسر البطل القوالب في حكايته، فجعلنا نحن أيضًا نشعر أن الكاتب نفسه أسقط علامات الترقيم، وكأنه يرى أن الاهتمام باللغة وأدواتها من الكلاشيهات كوسيلة لكسر السائد والمتعارف عليه (مع الاعتذار للأسلوب التجريبي)، أما العناوين فأبدلها بالحروف والأرقام. كما غاب عن الكاتب بأسلوبه الساخر شعور من فقدوا فعلًا لأطرافهم منذ ولادتهم أو أثر حادث فسرد حال الأشخاص ساخرًا من تلك العورات التي حلت بهم.
كتاب جيد، وتقييمي له 5/4.2.
إلى الملتقى في مراجعة أخرى
د.محمد الشخيبي