1️⃣ الموضوع : قراءة نقدية
2️⃣ العمل : ديوان " خدعة سيزيف "
3️⃣ التصنيف : ديوان شعر
4️⃣ الكاتب : حسام شديفات
5️⃣ الصفحات : 65 Abjjad | أبجد
6️⃣ سنة النشر : 2025 م
7️⃣ الناشر : المحرر للنشر والتوزيع
8️⃣ التقييم : ⭐⭐⭐⭐⭐
▪️أؤمن دائمًا بأنَّ الصمتَ في حَرَمِ الجمالِ جمال، وإزاءَ هذا الجمالِ المُكثَّف كان يتوجَّب عليَّ الصمتُ والاستمتاعُ والخنوعُ والاستماع ، ولكن أبت الحروفُ إلَّا أن أُسطِّرَها على الأوراق ، توهَّج القلبُ بنيران المعاني فخشيتُ الإحتراق، وأرادت أن أنقل بها سعادةَ الوجدان التي فاضت على روحي ونفسي ، وجسمي وحسّي ، وكُلِّي وجزئي ، فهذا القلبُ أبى إلَّا أن يقول، وفي أفلاكِ القصيدة يصولُ ويجول، وذاك اللسانُ أبى إلَّا أن يُعبِّر، والبَنانُ إلَّا أن يُسطِّر ، مبتهجًا من هذا الجمال ، منهتجهاً في تعبيره المقال.
▪️الشاعرُ ذلك الأسيرُ في ميدانِ إحساسِه ، لا ينفكُّ عنه إلَّا بتدوين ما يرى ويسمع ، ويشعر ويجمع، متفاعلًا مع الواقع، يرسم في خياله من وميض المعاني دليلًا جماليًا، ومن قوّة المباني سبيلًا مقاليًا .. وقد اختار حسام شديفات اسمًا لديوانه تعلوه الغرابةُ وعليه محفورة ، وتتوسطه الروعةُ والأسطورة: "خدعة سيزيف" تلك الشخصيةُ الأشدُّ مكرًا في الميثولوجيا الإغريقية، والذي استخدم خدعتَه في خداع «سانتوس»، ممّا أغضب آلهةَ الإغريق «زيوس»، فقضى عليه بأن يحمل حجراً من أسفل الجبل إلى أعلاه ، فإذا وصل القمّة ألقاه ، يفعل ذلك مرةً تِلو المرة ، ويكرِّرها كرةً وراء كرة، في تجسيدٍ للفشل غير الزائل، والجهد بدون طائل.
▪️في هذه المعاني كتب شديفات وسطَّر قصائدَه، بل وعنونها كذلك، بدايةً مع القصيدة الأولى "السيزيفية العظمى"، وما تلاها من عناوين خاليةٍ من التفاؤل والسعادة على الظاهر، تُحيل إلى الشقاء والسفر والموت والغربة والخداع والشر والسواد في الباطن. وقد رتَّب العناوين على النحو التالي:
•السيزيفية العظمى
•ما لم يقله الغريب على الخليج
•خدعة سيزيف
•فمي المتعب وإخوانه
•لذة التفاحة
•عشرينيّ عجوز
•توائم
•جدالية الموت
•سؤال غريب
•ما قالته الشظايا
•لو كان النحل أبي
•كأنه هو
•فرق بسيط
•ماذا لو لم يُصلب الحلاج
•لولاك
•عندما ترحل الأمهات
•إلى الشارقة
•سؤال
•العجوز ما زال يكبر
•تناقضات
•شطحة
•لماذا لا نطير
•كلٌّ يغني على ليلاه
•الثقب الأسود..
▪️في زمن الوهن ، والضعف والمِحن ، تبقى الكلمةُ في ميدان الجنون ، بصمودها تأبَى الركون، تقف شامخةً تجاهد، سامقة تعاند ، عتية تواجه، قوية تجابه، تخترق الآفاق وتبعث الأشواق، فتبني عوالمَ من الإبداع وتهدم أخرى بالوَغى والصراع .. بين هذا وذاك يتجول عقل الشاعر في معانيه ؛ ليتحفنا بها وفق مبانيه ، ويُبرزها بما يقتضيه ، لكن ما الذي يحمل شديفات على اختيار المعاناة والعذاب لتكون محلَّ ديوانه؟ أم هو قصدُ الخدعة في ذاتها، وكذلك استخدمها عنوانًا وبداية؟ هل أراد التعبير عن الهموم الذاتية بصورةٍ عمومية؟ يتجلّى ذلك بوضوح عند قراءة البيت الأول من قصيدته الأولى:
تتوضّأُ الأحــلامُ في حدقاتِه
جنبًا وتخشعُ في أداءِ صلاتِه
يتناقضُ المعنى، يُحيل إلى الدهشة من المقصود، فيوليها بقوله:
لا يُشبهُ الناياتِ في أنَأَتِها
لكنها مخبـــوزةٌ بصفاتِـــه
▪️محزونٌ شاكٍ، مفتونٌ باكٍ، يناجي حظَّه، يسأل دهرَه: ألَيْسَ تدور؟ فيقول:
ويعاتب الأيــــام خلتكِ دولةً
فمتى يحجُّ الحظُّ من ميقاتِه؟
لكنه لا يخنع للهوان، فهو فارسُ الميدان في الوجود والصمود:
ما الوحيُ إلَّا ما يجولُ بذهنِه
ما الشعـــــرُ إلَّا نَزعةٌ في ذاتِه!
لكمنجةٍ في الغيبِ أهدى سُلَّمًا
تتراقصُ الأحـــداثُ من نوتاتِه.
▪️وفي قصيدته "ما لم يقله الغريب عن الخليج" يحفر في صخر الوجع ، ويصرخ في آذان الصمت، يبوح بأسرار الحنين والشدة والأنين في غربة الروح من أجل الطموح، فيقول:
راحوا فِدى الحُلمِ اللذيذِ ورتَّلوا
لثمينٍ مِن سفرِ الوجــودِ فذابوا.
وعلى ضفافِ الحــبِّ ثمَّةَ شاعرٌ
سيموتُ ـ طَبعًا ـ فالغيابُ غيابُ.
▪️وفي قصيدة لذة التفاح ، تتفتَّح الجراح ويعلوها الصياح:
بالله قل لي يا دمي
من أيِّ جــرحٍ أنزف؟
فأراكَ تعصـــرُ خمرَة
وأنا أذوقُ فأعـــرِف.
▪️ثم كيف يكون العمرُ مجرّد رقم إذا ما أثقلت الهمومُ الأبدان، وغلفت الغمومُ الوجدان، ليصير ابنُ العشرين عجوزًا في الثمانين؟ فيقول:
أنَا الّذي كُنتُ يعقوبًا بِوحدتِه
وكنتُ عِيسَى وهَا أُحيِيكِ بالطّينِ.
أُلقيتُ فِي الجُبِّ لا خوفٌ يُراوِدُنِي
وعِشتُ عُمرِيَ في قَصرٍ لِفرعَونِ.
وعندَما جفّتِ الأنهـارُ في رئتي
خَرجتُ أبحثُ عن ماءٍ لَيروِيني.
قالتْ ليَ النّملةُ الكُبرى تبشّرُنِي
بأنَّ ربَّكَ يسقيكُـــــم ويَسقيني.
▪️وتتجلّى الروعة في "جدالية الموت" حين يصف نفسه وقد عاش ينتظر الموت على سريرٍ من بقاياه، تؤرّقه المنايا ويقلق ممّ يرضاه، لأنَّ الموت يعرفه بل ويخشاه، فيقول:
لأنَّ الموتَ يعرِفُني باسمي
أنامُ على سريـــرٍ من رُفاتي
أنا رجـــلٌ تؤرِّقُهُ المرايـــــا
ويُقلِقُهُ أنيــــنُ الأمنيـــــاتِ.
▪️وفي قصيدة "قالت نعود" حالةٌ من العشق الأليم، لأنَّ مع كل أنينٍ حنين، ومع كل همٍّ فرج، ومع كل ضيقٍ متسع، ومع كل ألمٍ شفاء، ومع كل داءٍ دواء، ومع كل هجرٍ قرب، ومع الأخير حب، ومع كل حبٍّ غياب لا يشعر به الأحباب. ويقول ليُطرِب الألباب:
قالتْ: نَعـــودُ؟ فقلتُ: لم نَذهَبْ
مذ غِبـتِ ما في ساعتي عَقرَب!
قالتْ: وكيـــفَ القلبُ من بَعدي؟
قلتُ: اسألي ذا القلبَ مَن عَذّب؟!
قــالتْ: بَلى... قلتُ: الرّدى أقرَب
اثنــــــانِ كُنّا ... والهَــوى كَوكَبْ
▪️وتتعجّب من سهولة اللفظ وعمق المعنى في جمعه بين المتناقضات بأسلوبٍ مبهجٍ مبكٍ، يقول في قصيدة تناقضات:
طموحٌ للوصـــالِ ولا وصالُ
وجوعٌ للحيــــــاةِ ولا حياةُ
أحبُّكِ لا مجــًـالَ لنفيِ حُبّي
وأخشَى أنْ تَفيقَ الواشياتُ
وصالُكِ آخــــرُ الآمالِ عندي
ووجهُكِ بلدَةٌ وأنا شتـــــاتُ.
▪️من لدن عقابُ آدم، إلى عذابُ سيزيف، وبينهما تاه الإنسان، وضاع الإيمان، وتفشّت الخطيئة، وسادت الخديعة، حتى صار المرء خصيمَ أخيه، وغدا الإنسانُ عدوًّا لبنيه.
▪️يمضي الشاعر في ديوانه، يستقي من قصص الأنبياء مع يوسف السجين البريء، وموسى الكليم الجريء، وعيسى كلمة الله وروحه؛ مستقيًا من نهر التاريخ، وصوت الأسطورة، وهمس الأدب، ما يجلو سعةَ معارفه، ويبرهن على موسوعيته، التي مكّنته من مزج المقدَّس بالمدنَّس، ووصل الموروث بالمُحدَث، فيجمع الأضداد، ويصهر المختلفات، ليُعيد تشكيلها في بوتقة فكرته الثابتة، امتصاصًا وتحويلًا، تحليلاً وتجميلاً.
▪️لغتُه رائقة، عبارته فائقة؛ مجازُه ثمين، وبيانه متين. يملك ناصية الكلام، ويُطوِّع النصوص كما يشاء، فيجعلها طوعَ فكرته، وخادمةً لرؤيته .. مهتديًا بعروض الخليل، مقتديًا بشعر التفعيلة، حارسًا للإيقاع، منتجًا للإبداع؛ فيمزج بين الأصالة والحداثة، وبين القديم والجديد، وبين الموروث والمولود، جسرًا بين الأمس واليوم، ومرآةً تعكس الواقع والنوم.
#أبجد
#المحرر
#خدعة_سيزيف
#حسام_شديفــــات
#مراجعات_محمود_توغان