5️⃣ #شغف_الكتب
لا أظن أن هناك نوعًا أدبيًا قادرًا على كسر حالة "بلوك القراءة" مثل الأدب البوليسي وأدب الجريمة؛ فهو وحده الذي يشركك في الأحداث وكأنك طرف أصيل فيها، تلاحق الخيوط، وتحلل القرائن، وتخمن المشتبه بهم قبل أن يكشفهم المؤلف. وهذا تمامًا ما فعلته رواية "جثة البئر" للكاتب وائل السيد علي، الصادرة عن دار دَوِّن للنشر والتوزيع عام 2024، في 192 صفحة.
منذ الصفحات الأولى، تدخلك الرواية في أجواء التحقيقات البوليسية الخانقة، حيث ورد بلاغ عن جثة ملقاة على قارعة الطريق. أوكلت مهمة المعاينة لضابط نوبتجي، تصرف بطريقة غير متوقعة: أسلوب هزلي، لا مبالاة، وقرارات غير مبررة، وكأنه خارج عن سياق المهمة. لكن سرعان ما تتحول القصة إلى لغز معقد حين تختفي الجثة ومعها العسكري المكلف بحراستها — وهو جندي معروف بجبنه، لا ندري هل تم اختياره عمداً لحراسة مسرح الجريمة، وكأن القدر كان يهيئ المشهد لاختفاء مزدوج يفتح أبواب الغموض على مصراعيها.
تتفاقم الأحداث ضراوة ، إذ تتوجه أصابع الاتهام نحو الضابط نفسه، مدفوعةً بشهادات وملابسات تدينه، حتى أن خطيبته تعترف بوجود خلاف قديم بينه وبين القتيل، ثم تتراجع عن اعترافها، لتترك وراءها أسئلة أكبر من الأجوبة. الضابط يجد نفسه خلف القضبان، بينما خيوط التحقيق تتشابك، والحقائق تزداد التباسًا، والمتهمون يتكاثرون مع كل فصل جديد.
في الخلفية، يغامر ضابط آخر بمستقبله وسمعته لإنقاذ زميله، لتبدأ مطاردة ذهنية محكمة، تكشف عن سلسلة جرائم قديمة، وانتقام بشع، وتورط شخصيات ذات نفوذ، والقاتل الحقيقي بارع في إخفاء أثره، متمرس في تضليل الجميع. لكن، كما تذكرنا الرواية، كل مجرم يترك أثرًا خلفه مهما بلغ من الدهاء.
الحبكة متماسكة، مشدودة الإيقاع، مليئة بالمنعطفات، اعتمد فيها الكاتب على الفلاش باك، مبتدئًا من النهاية ثم راجعًا بالقارئ خطوة خطوة نحو الحقيقة. التشويق ليس طارئًا أو موضعيًا، بل جزء من البنية الكاملة للرواية، كان يحاصرني منذ البداية وحتى الخاتمة، حيث تنكشف الخيوط بذكاء، وتثبت الجريمة على من ظنناه بريئ
اللغة عربية فصحى بسيطة في السرد، بينما جاء الحوار بالعامية، مما منح الشخصيات حيوية وواقعية، وجعل العمل أكثر التصاقًا بمناخاته الاجتماعية ،، رغم بعض الملاحظات البسيطة — مثل عدم منطقية بعض الأحداث فإن هذه الهفوات لا تقلل من جودة العمل.
لكن في النهاية، "جثة البئر" رواية بوليسية ممتعة شيقة في إحكامها، مكتملة العناصر، مشبعة بالتوتر، وتذكرنا لماذا يبقى هذا النوع الأدبي الأقرب إلى القلوب كلما أردنا كسر رتابة القراءة والانغماس في أجواء الجريمة والغموض.
#شغف_الكتب
#فنجان_قهوة_وكتاب
#شغف_الكتب_الموسم_الخامس