#المراجعة_الرابعة
#شغف_القراءة_الموسم_الخامس
#شغف_القراءة
مراجعة لـ رواية "جثتان والثالثه عند قدمي للكاتبة نهى داوود"
الصادرة عن دار نشر @اللبنانية المصرية للنشر والتوزيع
تخيّل أن تعيش خمسة عشر عامًا متزوجًا… دون أن ترى زوجك منذ ليلة الزفاف!
وتستيقظ ذات صباح لتجد جثة عند قدميك… ثم أخرى بعدها… والثالثة تلوح في الأفق!
من القاتل؟ وما الحكاية التي تخبئ أكثر من سر؟
هناك روايات تكتفي بتسلية القارئ، وهناك أخرى تتسلل إلى أعماقه كأنها تضعه هو في قفص الاتهام.
"جثتان والثالثة عند قدمي" تنتمي بامتياز إلى الصنف الثاني..
عمل يذوب فيه البوليسي في النفسي، وتتحول الجريمة إلى مرآة تكشف هشاشة الإنسان قبل أن تفضح هوية القاتل.!
من الصفحة الأولى، نجد أنفسنا أمام نجية: امرأة عاشت خمسة عشر عامًا في زواج بلا حياة، غاب فيه الزوج منذ الليلة الأولى، تاركًا وراءه بيتًا موحشًا وامرأاة لا ترى سوى جدران صامتة.
حتي ذلك الصباح، حين وقفت على جثة أولى، لا شيء في حياتها كان مهيأ لمواجهة هذا المشهد، لكن في ماضيها، وفي أعماق تركيبتها النفسية، ما يجعل القارئ يتساءل: هل هي شاهدة بريئة… أم يداها ملطختان بدماء أكثر مما تعترف به؟
الكاتبة - والتي بالمناسبة تلك المرة الأولى لي للدخول في عالمها- نسجت الحكاية على ثلاثة خيوط متوازية:
صوت نجية المبعثر في مذكراتها، حيث تختلط الحقيقة بالهذيان.
تحقيق صحفي تحمله صحفية تحمل بدورها ندوبها الخاصة.
خيط بوليسي يقوده ضابط غاضب، يحاول إيجاد منطق في قلب الفوضى.
السرد هنا لا يكتفي بكشف الغموض، بل يغوص في أعماق الشخصيات، ويضع القارئ في منطقة رمادية حيث يمكن للضحية أن تتحول إلى جلاد، وحيث الجريمة قد تكون صرخة أخيرة ضد قسوة الحياة، لا مجرد فعل بارد.
اللغة فصحى منمقة ، مكثفة بلا إسراف، تمزج بين دقة الملاحظة ورهافة الوصف. أما الحبكة فمحكمة البناء، كل تفصيلة – مهما بدت هامشية – تعود لاحقًا لتكشف مفتاحًا جديدًا، وكأن الكاتبة تبعثر قطع أحجية لا تكتمل صورتها إلا في الصفحات الأخيرة.
لكن التميز الأكبر يكمن في البعد النفسي؛ فكل شخصية تحمل جرحًا خاصًا، وكل فعل هو ظل ممتد من الماضي. نجية ليست مجرد بطلة روائية، بل تجسيد لسؤال إنساني ثقيل: إلى أي مدى يمكن للظلم أن يبدّل ملامحنا ويعيد تشكيل ضمائرنا؟!!