#الريفيو_الثالث
#شغف_القراءة_الموسم_الخامس
#شغف_القراءة
#فنجان_قهوة_وكتاب
رواية "الفراودة للكاتبة دينا الحمامي
الصادرة عن دار نشر ريشة.
"الفراودة".. حين يتحول الفقد إلى ميراث، والإلهاء إلى أسلوب حياة
هناك روايات لا تكتفي بأن تحكى ، بل تُشبه مرآة مكسورة ؛ كلما نظرت فيها انعكس وجهك مكسورًا إلى شظايا، فترى في كل شظية جزءً منك وجزءً من العالم. "الفراودة" ليست مجرد حكاية قرية ابتليت بلعنة غامضة، بل هي سردية عن كيف يمكن لمأساة واحدة أن تخلخل قوانين المكان والناس، وتعيد تشكيل ملامحهم إلى أن يعتادوا التشوّه.
تبدأ الحكاية من ليلة كان يفترض أن تكون بداية حياة جديدة، ليلة عرس "عناية" التي فُجعت باختفاء والدها وخطيبها معًا، وكأن الأرض ابتلعتهم. منذ تلك اللحظة تتوقف عقارب الفرح في القرية، ويصبح الزواج حدثًا مستحيلاً، لا يُكتب له أن يكتمل، بينما تتوالى الزيجات المكسورة، والحكايات الناقصة، والقلوب المعلقة بين البدء والانطفاء. خمس عشرة سنة والقرية تعيش على هذه الوتيرة، حتى لم يعد أحد ينتظر الخلاص بقدر ما اعتاد القيود.
بين بيوت الطين وساحات الحكايات، تتحول اللعنة إلى شماعة يعلق عليها الجميع عجزهم، وإلى ستار يخفي خلفه البعض أطماعهم. "نائل"، بذكاءٍ ملوث ورغبة في السيطرة، يدرك أن الغفلة الجماعية فرصة نادرة، فيصنع من الخرافة سلعة، ومن الوهم تجارة، حتى يصبح صوتُه أقوى من صوت العقل. هكذا نرى كيف يمكن للإلهاء أن يتحول من فعل مؤقت إلى بنية متجذرة، تحكم العلاقات، وتعيد توزيع القوة بين الناس.
الرواية هنا ليست فقط عن اللعنة... بل عن المجتمع حين ينهزم أمامهاا. عن نساء يتأرجحن بين الصبر والتمرد، ورجال يختبئون خلف إرث التقاليد ليبرروا ضعفهم، وعن تلك المسافة الرمادية بين من هو ضحية بالفعل، ومن صار شريكًا في الظلم بالصمت أو التواطؤ.
لغة الكاتبة تنبض بمزيج من الفصحى الرائقة والعامية التي تشي بالمكان وروحه، تتخللها أغاني فولكلورية وأهازيج تصنع خلفية صوتية للأحداث، حتى ليكاد القارئ يسمع طبول الأفراح المؤجلة، وأصوات النواح المكتوم في الحواري الضيقة. السرد يتنقل بين الأصوات والشخصيات بانسيابية، يمنح لكل منها لحظة كشف، دون أن يغفل عن حبك خيوطها داخل النسيج الأكبر.
ورغم الطابع الفانتازي الذي تمنحه "اللعنة" للنص، فإن الإسقاطات الواقعية حاضرة بقوة: السلطة التي تعيش على جهل الناس، تواطؤ المجتمع ضد المرأة، كيف تتحول المعتقدات الشعبية إلى أدوات سيطرة، وأخيرًا سؤال العدالة: هل تأتي الخلاصات فعلًا، أم أننا نكتفي بإعادة إنتاج الكارثة بشكل آخر؟
"الفراودة" في جوهرها رواية عن الفقد، لكنه ليس الفقد البسيط لشخص أو لحلم، بل الفقد الطويل المدى، الذي يتسلل إلى تفاصيل الحياة حتى يصبح جزءًا من الهوية. وهي أيضًا عن الإلهاء كآلية دفاع جماعية، حيث يختار الناس الانشغال بأي شيء، مهما كان عبثيًا، فقط كي لا يواجهوا الحقيقة.
اقتباسات..
❞ تنوعت الدوافع والمبررات المؤدية لفشل الزيجات، كما اختلفت الأساليب الخاصة بكل علاقة في طريقة الإنهاء، وفي النهاية تعددت الأسباب والفراق واحد. ❝
❞ يفترون على القهوة بأنها تزيد من نوبات الفزع ولا ينطق أحدهم عندما أسألهم عن المسبِّب الأساسي لهلعي! ❝
❞ إلى أن جئتِ مثل حمامة سلام لتحطِّي على جذع شجرتي التي أنهكتْها المعارك، استغللتُ قدراتي مثل قناص فرص وعرضتُ عليكِ أغرب عرض قد تكونين تلقيتِه منذ استقرارك بالقرية. ❝
❞ ليكن عزاؤك في الفراق هو امتلاكك ولو للحظات لما سلبته منك الحياة، فأبدية الفقد يعوِّضها ذاك الشعور بأن الكائن الذي خرج من حياتك كان لا شريك لك فيه بأحد الأيام. ❝