تهويد الغرب : من محاكم التفتيش الإسبانية إلى قيام إسرائيل > مراجعات كتاب تهويد الغرب : من محاكم التفتيش الإسبانية إلى قيام إسرائيل > مراجعة hesham Mohamed

هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

حدوتة كتاب

"تهويد الغرب" صورة من بداية التحالف بين الحركة الصهيونية والغرب

تهويد الغرب

في زمن تتصدر فيه المأساة الفلسطينية عناوين الأخبار يومياً، وبينما نشهد ما يحدث في غزة من تصفية جماعية، تسللت إلى ذهني صور من فيلم Django - ذلك المشهد حين يقرر مالك العبيد معاقبة من يخطئ منهم بأقسى عقوبة ممكنة. هكذا تماماً تتصرف إسرائيل: تصفية، اغتيالات، ومحاولة طمس الحقائق وكأن شيئاً لم يكن.

هذا التشابه المؤلم دفعني لقراءة كتاب "تهويد الغرب" للكاتب "رامي رأفت"، باحثاً عن إجابة للسؤال الذي يطاردني: لماذا يدعم الغرب ما يُسمى بإسرائيل بهذا الإصرار الأعمى؟

السؤال ليس بسيطاً، فهو يتطلب فهماً عميقاً للجذور التاريخية لهذا الدعم وكيف تطور عبر القرون. يحاول كتاب "تهويد الغرب" الإجابة عن هذا التساؤل من خلال رحلة عبر التاريخ، متتبعاً تطور العلاقات بين الغرب والحركة الصهيونية، من العداء اللاهوتي القديم إلى التحالف الاستراتيجي المعاصر.

بداية التحالف

يستهل الكتاب بحدث تاريخي مهم، حيث يروي قصة لقاء دبلوماسي جرى في القرون الوسطى بين مبعوث يهودي يُدعى "روبيني" والبابا كليمنت السابع. هذا اللقاء، الذي جاء في ظل التوترات الأوروبية والصراع مع الإمبراطورية العثمانية، يمثل أحد أولى المحاولات لتشكيل تحالف استراتيجي متعدد الأطراف.

كان الهدف من هذا التحالف المقترح ضم ثلاث قوى مسيحية رئيسية - الإمبراطورية الرومانية المقدسة، و فرنسا، والحبشة - إلى جانب ما أُطلق عليه "مملكة خيبر اليهودية" لمواجهة النفوذ العثماني المتنامي. هذا التحالف المبكر يكشف عن منطق البراجماتية السياسية الذي طغى على الاعتبارات الدينية: كل طرف يقدم ما يملك - المال، والقوة العسكرية، أو الخبرة الاستراتيجية - في مواجهة عدو مشترك.

المفارقة الكبرى: كيف تحول العداء اللاهوتي إلى دعم مطلق؟

يبقى السؤال هنا: كيف تحول هذا التحالف الظرفي إلى دعم مطلق رغم التناقضات العقائدية العميقة؟

الصراع التاريخي

لفهم عمق هذا التحول المدهش، دعونا ننظر إلى طبيعة الخلاف اللاهوتي الذي دام قروناً. اليهود ينكرون أن المسيح ابن الله، بل ترى اليهودية الحاخامية أن المسيحية عبارة عن شرك ووثنية تأثر لاهوتها بالفلسفة اليونانية وديانات الشرق القديم. اعتقادهم في المسيح سلبي للغاية - هم مكذبون لدعوته ورافضين لها بشكل مطلق، حتى أنهم يصلون في التلمود إلى أن صلب المسيح جاء بناء على حكم حاخامي بسبب دعوته للوثنية.

ويقول أحد الفلاسفة اليهود وهو:"موسى بن ميمون" لو كان "عيسى بن مريم" قد أعاد الهيكل ونجح في لم شمل أسباط إسرائيل من الشتات لكان قد أصبح المسيح المنتظر لكنه سبب في دمار إسرائيل وتضليل العالم بعبادة إله غير إله إسرائيل لذلك فاليهود يؤمنون دائما بظهور الماشيح الذي هو من نسل داود ليخلص اليهود من شتاتهم .

المسيحيون يعتقدون أن الكنيسة هي إسرائيل الحقيقية والروحية بينما اليهود هم إسرائيل الزائفة .

التحول الدراماتيكي

هذا ما كان تاريخياً متواجداً من بداية العداء بين الديانتين، لكن التحول الذي نشهده اليوم يثير الدهشة حقاً. حتى وإن اعترف الفاتيكان بوجود هذا الكيان، فالأمر الأكثر إثارة حدث في عام 2000 حين دخل البابا بيت المقدس دون قلادته التي تحوي الصليب، نزولاً على رغبة حاخام صهيوني بحجة أن الصليب يرمز إلى "تهمة تاريخية" - وهي تورط يهودي في قتل المسيح عليه السلام.

هذا ما يجعلنا نتساءل عن كم الدعم و كم الخوف على مشاعر اليهود وكأنهم هم فقط من لديهم مشاعر مرهفة الحس دوناً عن العالم حتى لو كانت جرائمهم ومجازرهم التي قاموا بها أكثر بكثير من جرائم الهولوكست والكتاب يذكر ايضاً كيف دخل نتنياهو رئيس وزراء هذا الكيان المزعوم إلى الكونجرس بعد أحداث السابع من أكتوبر وكيف تم استقباله في هيئة الأبطال!

رحلة البحث عن وطن: من الأرجنتين إلى فلسطين

بعد فهم جذور التحالف وتطوره، ينتقل الكتاب لاستعراض المحاولات المختلفة لإقامة هذا الكيان.

هذا الجزء من الكتاب يذكرني بشكل عجيب بحالنا حين نقرر الاجتماع أنا وأصدقائي ونبحث عن مكان لنا لكي نجتمع فيه - هذا حتى لو كان مثالاً بسيطاً مُخِلاً بحجم ما حدث، لكن عدد الأماكن المقترحة يثير الانتباه حقاً: الأرجنتين، مدغشقر، غينيا، بولندا، أنغولا، وحتى ألاسكا المقاطعة الأمريكية.

هذا التنوع في الخيارات يجعلني أفكر: ماذا لو كانوا ذهبوا لمكان آخر؟ ماذا لو كانوا ذهبوا لقبرص على سبيل المثال؟ تعليق الممثل العام البريطاني عن هذا الأمر هو ما جعلني أفكر في الأمر، وجعلني أيضاً أتذكر رواية للدكتور أحمد خالد توفيق رحمه الله كانت تتحدث عن إنشاء وطن قومي للعرب.

لكن السؤال الحقيقي يبقى: ما هي العوامل التي رجحت كفة فلسطين في النهاية؟ وكيف تأثر تاريخ المنطقة بأكملها بهذا الاختيار المصيري؟

الأبعاد الرمزية: عملية "عربات جدعون"

من التاريخ التوراتي إلى الاستراتيجية العسكرية

لفهم الأبعاد الرمزية العميقة للصراع، يتناول الكتاب شخصية جدعون، أحد "قضاة إسرائيل" في العهد القديم. جدعون، الذي هزم المديانيين بجيش صغير مكون من 300 رجل فقط، يمثل في الفكر التوراتي رمزاً للانتصار رغم قلة العدد والعُدة.

حيث أرسل جواسيسًا للتجسس على أعدائه قبل المعارك، كما ورد في الكتاب المقدس في قصة جدعون مع المديانيين. هذا الاستخدام للجواسيس كان من أوائل الأمثلة في التاريخ اليهودي على الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية في الحروب..

اختيار اسم "عربات جدعون" للعملية العسكرية في غزة ليس صدفة، بل يحمل دلالات متعددة:

أولاً: البعد الديني - ربط العملية بتاريخ مقدس يعطيها شرعية دينية في أعين المؤمنين.

ثانياً: البعد النفسي - إيحاء بأن النصر مضمون رغم التحديات، تماماً كما حدث مع جدعون.

ثالثاً: البعد الاستخباراتي - جدعون كان من أوائل من استخدم الجواسيس في التاريخ اليهودي، مما يربط العملية بالتقليد الاستخباراتي

كما أن اسم “عربات جدعون” يشير إلى العربات العسكرية الإسرائيلية التي يُراد تصويرها كعربات لا يمكن تدميرها، مستلهمة من انتصار جدعون الذي كان بمثابة انتصار رغم قلة العدة والعدد. استخدام هذا الاسم يربط العملية بتاريخ ديني عميق في الوعي الإسرائيلي ويعزز فكرة الانتصار الحاسم على أعدائه.

خاتمة

إسرائيل حتى وإن كانت دولة وظيفية خدمتها الوحيدة كسر العرب وحتى لو حدث مائة اتفاق إبراهيمي فهي في طريقها للانهيار فأسباب بناءها والاختلافات المتواجدة والعنصرية القائمة والمتواجدة في داخل دولة معرضة لأي زلزال في أي وقت لكن المسألة مسألة وقت ودعم الغرب لها حتى ولو ظل مستمرا فهي دولة معرضة للتصدع في أي وقت.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لكيان بُني على أنقاض شعب آخر، ويعتمد على تناقضات داخلية عميقة، أن يصمد طويلاً؟

في انتظاركم في المقالة القادمة وكتاب جديد ..

تقييم الكتاب: ⭐⭐⭐⭐

اسم الكاتب: رامي رأفت

الناشر: دار الرواق للنشر

عدد الصفحات: 348 صفحة

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق