لا أسألك الرحيل > مراجعات رواية لا أسألك الرحيل > مراجعة Mohammed Odeh

لا أسألك الرحيل - دعاء أبو العلا نورسين
تحميل الكتاب

لا أسألك الرحيل

تأليف (تأليف) 4.6
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

في عمق هذه الرواية تتجلى عبقرية الكاتبة دعاء أبو العلا نورسين في قدرتها على دمج فكرتين جريئتين ومتداخلتين في نسيج سردي واحد، لتطرح بذلك تساؤلات إنسانية حقيقية وقضايا حساسة لم تحظَ بالاهتمام الكافي في الأدب العربي المعاصر.

الفكرة الأولى، الإضطراب الجنسي، ليست مجرد مرض نفسي يتردد ذكره، بل تجربة مؤلمة تكشف زوايا مظلمة من النفس البشرية، حيث المعاناة ليست فقط جسدية أو نفسية، بل هي صراع داخلي مع الذات والمجتمع معًا. هذه الحالة النفسية، التي تصفها الكاتبة بجرأة وواقعية، تفتح نافذة نادرة على عوالم مغمورة بالرفض والوصمة، وتدعونا لنفهم عمق الألم المكمون وراء كل صمت.

أما الفكرة الثانية، فقد جسدت عبر شخصية الطفل اللقيط، مشكلة مجتمعية تتكرر على مرّ الزمن، لكنها تظل في أغلب الأحيان مغلفة بعباءة الإنكار والوصم. هنا، تذكرنا الرواية بأن المجتمع رغم حداثته أحيانًا يبقى أسير أحكامه المسبقة، لا يعترف ببراءة من ولد بلا أصل واضح، بل يظل يراه "نطفة خبيثة"، وهو حكم جائر ينسف حق الإنسان في الكرامة والقبول.

من خلال شخصيتي زياد وزاد، اللذين يحملان أعباء الرهاب الاجتماعي بطرق مختلفة، تقدم الكاتبة تحفة إنسانية، تشرح عبرهما كيف أن الألم النفسي ليس ضعفًا بل حقيقة يجب أن تُقرأ بفهم وتعاطف.

وليس فقط ذلك، بل تتسع الرواية لتتعمق في علاقة الأسرة، لتناقش من خلال قصة عائلة يقين كيف تتغير العلاقات بفعل الظروف القاسية، وكيف يمكن لتفكك الأسرة ودور الأم في "لم الشمل" أن يشكل نقطة تحوّل حاسمة في حياة الجميع. تتحول هذه القصة الفرعية إلى مرآة تعكس آلام المجتمع وصراعاته، حيث تتحول المرأة من ركيزة وأم حنونة إلى شخصية معذبة، ممزقة بين الواجبات والاختيارات.

وبالرغم من عمق المواضيع وحساسيتها، تظل الرواية ممتعة وسلسة في أسلوبها، بفضل لغة الكاتبة الدقيقة والنقية، التي تراعي جمال التعبير وبساطة الأسلوب، مما يجعل القارئ يستمر في رحلة القراءة دون ملل، بل بشغف لفهم هذه الشخصيات وأوجاعها.

في رأيي، هذه الرواية ليست مجرد سرد لقصة، بل دعوة صريحة لإعادة النظر في كثير من الأحكام المجتمعية، ونقاش مفتوح حول الأمراض النفسية وقضايا الأطفال اللقطاء، وهما موضوعان بحاجة ماسة إلى صوت جريء ومتفهم، وهو ما قدمته الكاتبة بكل اقتدار.

في النهاية، "لا أسألك الرحيل" ليست فقط رواية، بل مرآة تعكس واقعًا مخفيًا، وتفتح نافذة أمل لمن يعيشون في صمت، تدفع القارئ إلى الوقوف أمام ذاته ومجتمعه، ليعيد التفكير في المفاهيم، ويتساءل: هل حقًا نعرف معنى الرحيل؟ أم أننا بحاجة لأن نسأل عنه بعمق قبل أن نطلبه؟

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق