▪️الحبُّ الحقيقيّ: قمر لا يأفل، وعهدٌ لا يذبل، وسكنٌ لا يخور، وروحٌ لا تبور..هو صفاءٌ في اللقاء، ووفاءٌ في الخفاء، وبقاءٌ في البلاء...حبٌّ لا يلهو، بل يسمو، لا يُقيِّد بل يُسند، لا يذوب، بل يُذوِّب القسوة، يُحيي الوِداد..دفءٌ في البُعاد، وصدقٌ في الوصل، وصبرٌ في الأصل..يسيرُ بالعلم، ويُروى بالحُلم.

▪️فالمُحِبُّ بحقٍّ: إذا أحبّ ستر، وإذا غضب صبر، وإذا وُجِع غفر، لا يطلب التملّك، بل يمنح التشارك، لا يخنق الأنفاس، بل يُنعش الإحساس..يجعل الحبَّ رُكنًا، لا سجنًا، وطنًا لا وجعًا، مسافةً آمنة، لا حافةً خانقة...عطرُه فوّاح، تسمو به الأرواح ، يسمع بلا نطق ويرى بلا عيون ، فؤاده الصدق بلا ريب المنون ، به الحياة ، وفيه النجاة ، وله الروح السكن ، وفيه وبه الوطن .

▪️في زمنٍ باتت فيه العلاقات في إغراق، والشغفُ سريعَ الاحتراق، يأتي كتاب "مسافة آمنة" للكاتبة عزة سلطان ليُعيد تشكيل وعينا بمفهوم الحب من جديد، لا باعتباره لحظةً رومانسيةً عابرة، بل فِعلًا مستمرًّا، مشروعًا إنسانيًّا يحتاج إلى إدارة، وجهد، وتوازن بين العاطفة والوعي... يتطلّب الصبر والسعي.

▪️الكتابُ الصادر عن بيت الياسمين للنشر والتوزيع، وعلى الرغم من صِغر حجمه (193 صفحة – أبجد)، إلا أنه أشبه بدليلٍ حياتي، يُقدِّم للقارئ خريطةً شاملةً ومبسطة، تُحلِّل الحبَّ بمراحله، وتغوص في تشعُّباته، مُتكئةً على رؤى علم النفس، وتجارب الحياة، وأقوال فلاسفة وكُتّاب كبار.

▪️الحبُّ: سؤالٌ مفتوحٌ لا إجابةَ واحدة

في الفصل الأول، تطرح الكاتبة سؤالًا بدايته بسيطة، ونهايته فلسفية:ما الحب.......؟

تُقدِّم عبر صفحات هذا الفصل تعريفات كثيرة للحب بوصفه معنى اصطلاحيًّا، أبرزها لأسماء ثقافية كبيرة مثل:

مارتن لوثر كينج، غابرييل غارسيا ماركيز، مارلين مونرو،

لنخلص في النهاية إلى كون الحب، وإن اختلفت تعريفاته، فإنه يبقى رغبةً إنسانيةً في الانتماء، والمشاركة، والاحتواء، والصدق، والشوق.

تُعرِّفنا على لغات الحب الخمس:

•الكلام

•الوقـــت

•الهدايــــــا

•الخدمــــــات

•اللمس الجسدي

ـ مؤكدةً أن فهم لغة الشريك هي الخطوة الأولى نحو علاقة صحيحة، مستمرة ، آمنة ، رقيقة ، نقية .

▪️من الانجذاب إلى الاختبار: كيف نقع في الحب؟

في الفصل الثاني، ترسم الكاتبة خريطة دقيقة لمراحل الحب:

ـ من الانجذاب الأول:

❝ الحب كَالطفل، يولد زاحفًا، ثم يحبو، ثم يمشي، وأخيرًا يركض نحو قدَره. ❞

ـ مرورًا بالتعلُّق العاطفي:

❝ في هذه المرحلة يبدأ الدماغ في إفراز هرمون الأوكسيتوسين، المعروف بهرمون التعلّق، مِمَّا يُعزِّز الروابط العاطفية بين الشريكين. ❞

ـ ثم الانجذاب العميق:

❝ العمق في العلاقة يأتي عندما نرى الآخر في أضعف لحظاته، ونختار البقاء. ❞

ـ وأخيرًا، إلى مرحلة الاختبارات الواقعية التي يُختبر فيها صدق المشاعر ومتانة القيم.

ـ ثم تعرِّج على أخطاء البدايات:

•التسرّع في التوقُّعات

•إهمــــــال الاختلافات

•الاعتماد على الشريك في السعادة وترك الذات

•إهمال التوازن بين الحـياة الشخصية والعلاقة

ـ ومن خلال الخبرة، تُعطي بعض النصائح لاستمرارية الحب والنجاة من هذه العوائق، منها:

•الوعي بالذات والثقة بالنفس

•التواصــل الصادق والمفتوح

•إعطــــــاء مساحــة شخصية

•الموازنة بيــــن العقل والقلب

ـ وهنا، تكمُن عبقرية الكاتبة في الربط بين مراحل الحب والتحديات النفسية التي تواجه الشريكين......

فالوقوع في الحب سبيلا ، وللحياة دليلاً ، ليس موج يغرق ، أو نار تحرق ، بل سباحةٌ يجب أن نُحسن تعلُّمها. وأنواراً يجب تأملها .

▪️الاحتياج العاطفي... حين يصبح الحبُّ قناعًا لنقص داخلي

في أكثر فصول الكتاب عمقًا، تتناول عزة سلطان مفهوم الاحتياج العاطفي، وتشبّهه بالجوع الذي يدفع المرء إلى التهام أي شيء دون تمييز.

وتُشير إلى كونه على مستويات عدة:

•احتياجات أساسية: الأمان، القبول

•احتياجات عميقة: الانتماء، التقدير

•احتياجات معقّدة: الالتزام، الشراكة

ـ تُوضّح أن الاحتياج، رغم كونه شعورًا طبيعيًّا، إلا أنه يصبح خطرًا حين يحلّ محل الحب الحقيقي.

•فالاحتياج يُقيِّد، أما الحب فيُحرِّر.

•الاحتياج يأخذ، الحب يعطي ويمنح.

•الاحتياج لحظي، الحــــب مستمر دائم .

لنخلص إلى أن الشعور بالحب لا يجب أن يكون ثمنًا لفقدان الذات، بل تعزيزًا لها...قوة ، سند ، إظهار لا إضمار .

▪️التحديات: عندما يصطدم الحب بالواقع

الحب لا يعيش في المدينة الفاضلة...بل هو علاقة تخضع لكل الصعوبات والمعوقات ، ويجب فيه المواجهة...والنصر .

في الفصل الرابع، تستعرض الكاتبة أكثر التحديات شيوعًا:

الغيرة: بين الاهتمام والامتلاك، وأسبابها

•التوقعات غير الواقعية

•غياب التواصل بين طرفيه

•مخاطر السوشيال ميديا عليهما

بخبرة حقيقية، لا تنظر الكاتبة بل تُقدّم حلولًا ناضجة:

•الحوار

•النقد البنّاء

•اختيار التوقيت

•الاحترام المتبـــادل

•تعزيـــز الثقة بالـــذات

•تقدير الاستقلالية لكلاهما

ـ العمر المثالي للحب:

❝ يقول جان جاك روسو: "الحب في أي عمر هو ولادة جديدة للقلب، لكنه ينمو فقط عندما يسقيه الزمن بحكمته". ❞

•في العشرينيات: حب بنكهة الحُلم

•في الثلاثينيات: بنكهة الاســتــقرار

•في الأربعينيات: حـــــب بنكهة التأمل

•في الخمسينيات: حـــــب بنكهة النضج

لنخلص إلى حقيقة مؤكدة:

ليس الحب من ينهار، بل نحن من نخذله حين نتخلى عن إصلاحه.يتوتر ، يتكسر ، يتوه ، يموت !

▪️المسافة الآمنة: الحب ليس قيدًا، بل مساحة للنمو

في الفصل الخامس، تُقدِّم "عزة سلطان" المفهوم الأهم والأكثر تميزًا في الكتاب: المسافة الآمنة، وتستلهم من قول جبران خليل جبران:❝ أحبوا بعضكم بعضًا، ولكن لا تجعلوا من الحب قيدًا. ❞

تطرح رؤية مفادها أن العلاقات الصحية تحتاج لمسافة تُبقي على الذات، تحميها من الذوبان في الآخر، وتمنح الطرفين مساحة للتنفس، للتحرر، للمضيّ قدمًا.

❝ يقول إريك فروم في كتابه «فنّ الحب»: "الحبّ الناضج هو اتحاد بين شخصين، مع الحفاظ على فرديّة كلٍّ منهما". ❞

•المسافة الآمنة: ليست انسحابًا ، أو تملقاً ..

بل توازنًا دقيقًا بين القرب المُرهق، والبعد المؤذي.

•المسافة الآمنة: هي العامل الأساسي لضمان التواصل الفعّال والاستمرارية..والعطاء غير المحدود ، وغير المكدود ..

•المسافة الآمنة: ليست هروبًا، بل هي احترام لاستقلالية الآخر، وتقديرٌ للذات...وإعطاء فسحة للإعتمــاد والاجتهاد .

ـ لنؤمنَ في النهاية بأن الحب الحقيقي لا يعني محو المسافات، بل يتحقّق في فهمها، واحترامها، واستخدامها؛

لتكون الجسر الذي يُبقي القلوب متصلة دائمًا..هي الوعد الذي نقدّمه لأنفسنا ولمن نُحب، بأن نبقى دائمًا أوفياء لذواتنا،

وأن نمنح الآخر فرصة للبقاء بذاته كما هو.

▪️في سبيل الاستمرارية: الحب كعادةٍ جميلةٍ تحتاج لصيانة

في الفصل الأخير، تُحذّر الكاتبة من آفة الاعتياد، ومن فتور المشاعر بعد البدايات...تشير إلى أن الحب الحقيقي يحتاج إلى تجديد، وصبر، وإصرار، ومواصلة...

❝ الحب الذي يستمر هو الذي يتكيّف مع مراحل الحياة، حيث يتحوّل الشغف إلى رفيق دائم للنضج. ❞

▪️ملاحظات:

كُتب "مسافة آمنة" بلغة عربية فصحى سلسة، مفعمة بالمشاعر، مدعومة بأمثلة ومقولات ومرجعيات نفسية وأدبية وسينمائية.

ورغم كون الكتاب يسير على وتيرة هادئة بسيطة إرشادية، تُخاطب القلب قبل العقل، وتُخاطب الروح قبل النفس، وتُخاطب الوجدان قبل البُنيان...

إلا أنه وقع في فخ التكرار في كثير من الطروحات.

وإنْ تعدّدت هذه الطروحات بحسب المعنى المراد لها، فقد رأيتها بذات المعنى؛..ومن ذلك مثلًا الحديث عن:

•التوقعــــات

•التواصل بينهما

•الاحتـرام المتبـادل

•التـــوازن في العـلاقة

🚫ملحوظة بعد القراءة

جاءت قراءتي لهذا الكتاب لكونه دليلًا إرشاديًا، توعويًا، تربويًا، إنسانيًا، مبنيًا على خبرة حياتية، وخبرة علمية، وثقافية .. عنونت له الكاتبة بعنوان "مسافة آمنة"، ويتناول الحب من كافة معانيه، وأطرافه، وتوجهاته، وسياساته، ومعوقاته، ودوافعه، من وجهة نظر علمية نفسية بحتة.

لم أتطرق فيه لأي ناحية شرعية، كما لم ينهج الكتاب ذلك، فاستقام من حيث كونه أدبًا نفسيًا، إرشاديًا، تربويًا فحسب.

كذلك لم أكتب بأسلوبي المعتاد، فقد وجدت هذا الكتاب من الأهمية بمكان، بالقدر الذي يُوجب عليّ تلخيصه، حتى تعمّ الفائدة المرجوّة منه... شكراً جزيلاً لمن قرأ 🙏🙏🙏🙏

#أبجد

#مسافة_آمنة_دليلك_حتى_يستمر_الحب_إلى_الأبد

#عزة_سلطان

#مراجعات_محمود_توغان