المستحيل > مراجعات رواية المستحيل > مراجعة Subhi Najjar

المستحيل - إري دي لوكا, رامي طويل
تحميل الكتاب

المستحيل

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

تبدأ رواية "المستحيل" لإيري دي لوكا كقصة جريمة تدور أحداثها في جبال الألب الإيطالية الوعرة، لكنها سرعان ما تكشف عن شيء أعمق وأكثر إثارة للقلق. في جوهرها، لا تدور الرواية حول موت رجل على جبل، بل حول موت فكرة - التفكك البطيء والمتعمد لحلم جماعي وُلد في عقود الستينيات والسبعينيات المضطربة.

بطل الرواية المتهم، وهو ثوري سابق، ليس مجرد رجل يُحاكم. إنه يجسد جيلًا كاملاً آمن بإمكانية التغيير من خلال النضال الجماعي. تتجذر مُثُله العليا في نفس تربة الحركات الطلابية عام ١٩٦٨ في باريس، وربيع براغ، والثورة الإيطالية نفسها المعروفة بـ"آني دي بيومبو" (سنوات الرصاص). نشأت هذه الحركات من وعي جماعي، إيمان بأن التضامن قادر على تغيير المجتمعات. لكنها سُحقت - بقمع الدولة، والعنف، والخيانة من الداخل.

يتميّز بطل رواية دي لوكا بهذا التاريخ. فهو لا يزال وفيًا للقيم التي سُجن من أجلها يومًا ما، حتى مع تحوّل العالم. يرتاب في الدولة حتى النخاع - وهو شعورٌ يتجلى في رفضه مصافحة المحقق بعد عشاءٍ غير رسمي. بالنسبة له، ليست الدولة مؤسسةً محايدة، بل هي الآلية ذاتها التي أطفأت جذوة شبابه الثورية.

يُصبح الضحية في الرواية - "الرجل على الحافة" - رمزًا لقوةٍ أخرى ساهمت في تفكيك الأحلام الجماعية: المصلحة الذاتية الفردية. إنه يُمثّل أولئك الذين اختاروا البقاء والطموح الشخصي على النضال المشترك. هذه الخيانة، من نواحٍ عديدة، أشدّ تآكلًا من قمع الدولة. فهي تُشير إلى أن الثورة لم تسقط بسبب العنف الخارجي فحسب، بل أيضًا بسبب التآكل الهادئ للتضامن من الداخل.

يُصبح السؤال المحوري في الرواية - هل دفع المتهم الضحية إلى موته؟ - في النهاية سؤالًا ثانويًا. ما يهم هو الصدام الفلسفي في صميم الكتاب:

الجماعية مقابل الفردية.

المُثُل الثورية مقابل سلطة الدولة.

عالمٌ من التضامن مقابل عالمٍ يسود فيه البقاء والجشع.

ليس من قبيل الصدفة أن يجد البطل ملجأً في الجبال. فمثل جبال باولو كونيتي في رواية "أوتو مونتانيه"، فإن جبال دي لوكا ليست مجرد بيئة، بل ملاذٌ - مكانٌ يتجاوز ضجيج التاريخ والسياسة. إنها تُجسّد نقاءً لم يعد البطل يجده في المدن، أو في الدولة، أو حتى في العلاقات الإنسانية. ومع ذلك، حتى في عزلته، يُطلق العنان لشُعلةٍ صغيرةٍ من الألفة: علاقة حبٍّ بعيدة مع امرأةٍ لم يكشف عن اسمها قط.

المستحيل هو تأملٌ في الخسارة - ليس فقط فقدان الحياة أو الحرية، بل فقدان الأمل الجماعي. تسألنا الرواية عمّا يحدث حين يستيقظ جيلٌ آمن بإمكانية الثورة بعد أربعين عامًا في عالمٍ يُعلي من شأن البقاء الفردي على حساب العدالة الجماعية.

الإجابة قاتمة بقدر ما هي جميلة. بطل رواية دي لوكا، مثله مثل المؤلف نفسه، يسعى إلى السلام في الحب والجبال. لكن الرواية تترك فينا سؤالًا يتردد صداه طويلًا بعد صفحتها الأخيرة:

إذا كان العالم قد استبدل التضامن بالمصلحة الذاتية، فما هي حظوظ أحلامنا الآن؟

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق