مع مرتبة الشرف — قصة تمرد على التقاليد، وسباق مرير نحو الذات

في رواية مع مرتبة الشرف، لا يقدّم لنا الكاتبان عمرو حسين ووليد أبو المكارم مجرد قصة نجاح أكاديمي أو سيرة طالب مجتهد، بل يغوصان بنا في رحلة إنسانية معقّدة، تجسّد صراع الطموح الفردي ضد منظومة مجتمعية اختارت أن تُنتج نسخاً متكررة من البشر. وليد، بطل الرواية، وُلد في بيئة طبية بامتياز، كان من المفترض أن يصبح طبيباً كوالده ووالدته وشقيقته، لكنه اختار طريقاً مختلفاً، قرر أن يحمل لقب "دكتور" لا من مشرط، بل من قلم ومخططات ومشاريع هندسية.

منذ الصفحات الأولى، يظهر وليد كشخصية طموحة بصورة تبدو أقرب إلى المثالية، بل وحتى "المَرَضية" من منظور مجتمعاتنا، التي لا تزال تسخر من الطالب الذي يضع مستقبله فوق كل اعتبار. هو الحالم الذي لا يكتفي بالهندسة، بل يسعى ليكون معيداً، ثم رئيس قسم، ثم مدير جامعة! ولكن ما يميّز الرواية هو تفكيك هذه النظرة، فـوليد لا يُقدَّم كعبقري خارق، بل كإنسان يُكافح، يُخذل، ينهار أحياناً، ويعود ليحاول من جديد.

الرواية تمثل مرآة صادقة لحياة كل شاب عربي طموح اصطدم بأرض الواقع: سقف الطموح العالي يصطدم بجدار الحياة القاسي — شح المال، تعقيدات الزواج، دوامة البحث عن الاستقرار. رحلة وليد تمضي في مثلث الحياة المخيف لكل شاب: الدراسة، العمل، الزواج. لكنه في كل ضلع من هذا المثلث يواجه أزمة وجودية حقيقية.

وليد لا ينجو دائماً، بل يتعثر، يفقد أحبابه، يخسر حبيبته "وسام"، ويتورط في خيارات مؤلمة، منها ما حدث خلال سفره للدراسة بالخارج، ومنها ما واجهه عند الوقوف بين طريقين: الحب القديم أو الواجب الجديد.

الرواية أيضاً لا تخلو من شخصيات ثانوية ذات تأثير لافت، أبرزها شخصية الدكتورة حنان بسيوني، التي تتحول من شخصية رسمية جافة إلى إنسانة متعاطفة، كاشفة عن دوافعها القاسية في نهاية الرواية بأسلوب إنساني مؤثر.

"مع مرتبة الشرف" ليست فقط رواية عن وليد، بل عن كل شاب عربي حُرم من الترف، ووجد نفسه يُجاهد لأجل "أبسط حقوق الإنسان": أن يحلم. الرواية تسلط الضوء على أزمة الاستقرار عند الشباب العربي، وتفكك أسبابها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية بلغة سلسة وسرد ممتع لا يخلو من التوتر والمفاجآت.

تقييم: 5/5

رواية واقعية، تمس القلب والعقل، وتصلح أن تُقرأ أكثر من مرة، لأنها تلامسنا جميعاً بطريقة ما.