هل النجاح ينتهي عند المنصب واللقب والكرسي أم هناك اعتبارات أخرى؟
رواية مع مرتبة الشرف هي رواية أدبية اجتماعية تناقش عبر شخصياتها أحوال المجتمع المصري وواقعه كما هو بلا محاولات للهروب منه أو فضحه أو حتى اصلاحه، وتسبر أغوار حال شبابه، تحدياته، وتطلعاته في الفترة ما بين التسعينات وبداية الألفينات من خلال رحلة وليد أبو المكارم. فالرواية أقرب ما تكون إلى سيرة ذاتية يحكيها البطل بلسانه عن رحلته في البحث عن ذاته في عالم مليء بالتقاليد والتوقعات الاجتماعية والقوالب الجاهزة.
رحلة وليد تبدأ من انتهاء الثانوية العامة، فهو شاب مصري ينتمي إلى عائلة طبية عريقة تعود أصولها إلى عهد الملك فاروق، فجده سعيد أبو المكارم واحد من أطباء الملك فاروق أورث المهنة لأولاده وأحفاده. حتى زواج الأولاد كان من طبيبات أيضًا. الأب والعم أطباء والأم والإبنة طبيبات.
إذا ما هو توقعك لمستقبل وليد؟
الإجابة هي "كلية الطب" القالب الجاهز له خصوصًا بعد تفوقه في الثانوية العامة. هكذا سيفكر أي شخص تقليدي، وهكذا ظنت عائلة وليد. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فوليد الذي قضى طفولته بين العيادات والمستشفيات كره الدماء وخاف الموت. في المقابل عشق الأرقام والمعادلات الحسابية لذا رفض هذا الإرث وسلك طريق الهندسة.
شخصيات العمل حقيقية وواقعية جدًا ستجد نفسك وتجد آخرين ممن حولك فيهم. ومع ذلك فالشخصيات ليست كثيرة لأن الكاتب أراد التركيز على شخصية البطل والقليل من الشخصيات المساعدة في حياته. ويخدم ذلك في التركيز على تطور شخصية وليد ومدى تأثير علاقته بتلك الشخصيات في حياته.
وليد أبو المكارم: يمثل صوت جيل كامل من الشباب. لن تجده غريب عنك أو بطل خارق. بل واحد منا يشبهنا ستجد نفسك فيه وفي مشاكله، ستعيش معه التحديات والعقبات ولحظات الانتصار خطوة بخطوة.
شخصية وليد أيضًا جاءت دليلًا واضحًا على أن الشخص الذكي دراسيًا لا يعني إطلاقا أن يكون ذكي اجتماعيًا. فقد برع وليد خلال مراحل دراسته المختلفة، لكنه لاقي صعوبة في مواجهة التحديات الاجتماعية بسلاسة. بداية من تعامله مع السماسرة والعمال إلى اختيار الشقة وتفاصيلها. فوقع فريسة سهلة لهم أخرته كثيرًا عن بلوغ هدفه.
محسن: أحببت شخصيته كثيرًا، كان لوليد أخ ثان وليس فقط صديق مقرب. هو الصديق الوفي في زمن قل فيه الوفاء وكثر فيه الخداع. ونموذج مثالي للصداقة الحقيقية التي تساند وقت الأزمات. لم يكن وجوده في حياة وليد ركنًا آمنًا وعامل استقرار فحسب بل كان السبب في حدوث أفضل التغيرات في حياة وليد، ولم يتخل عنه رغم التنافس الأكاديمي بينهما.
وسام: الحبيبة الجميلة التي تحولت إلى جزء من طموحات وتحديات وليد. علاقتها به تبرز أزمة الحب تحت أعباء زيف المجتمع التقليدي. فالحب في مجتمعنا عاطفة معقدة تختنق تحت عباءة التقاليد والتكاليف والرسميات.
عائلة وليد (الأب والأم والأخت):
كانوا أكبر داعم لوليد في مسيرته رغم صدمتهم في البداية من قراره إلا أنهم منحوه الحرية في اختيار طريقه. كانوا بمثابة مجموعة من القيم والدوافع من الدعم والرعاية والانضباط والتحفيز.
الدكتورة حنان المشرفة الجامعية: هي صورة للنموذج الصارم من الوسط الأكاديمي وتعكس التحديات والصعوبات البيروقراطية التي تواجه الباحثين. شخصيتها معقدة صارمة يغلفها قناع القسوة والتسلط، لكن مع جريان الأحداث يذوب الجليد وتتطور شخصيتها تدريجيًا. علاقتها بوليد تتسم بالتأثير المتبادل إذ أثرت في حياته كما أثر هو في قناعاتها.
جاءت الرواية بالعربية الفصحى، تجمع بين البساطة والعمق. وتميزت بأسلوب سلس في السرد أقرب إلى المذكرات اليومية. هذا الأسلوب جعل القارئ يشعر كأنه يعيش حياة البطل بكل تفاصيلها.
تناقش الرواية عدة موضوعات من قلب الواقع بداية من البحث عن الشغف واكتشاف الذات وسط صراع مع القيود المفروضة، مرورًا بالحب في ظل الرسميات والزيف المجتمعي، وصولًا إلى صعوبات الحياة الأكاديمية والخلل في النظام الأكاديمي.
لكن أكثر ما جذب انتباهي هو طرح الرواية لفكرة المسار الفردي للشخص بعيدًا عن ضغط المجتمع والقوالب الجاهزة وقطيع الجماعة. كيف يمكن للانسان أن يختار ويشق طريقه بشجاعة بعيدًا عما رسم له. كثيرون لا يمتلكون الجرأة في الخروج عن القطيع.
والسؤال هنا: هل يسلك الفرد الطريق الذي حدده له مجتمعه ورسمته له عائلته؛ طريق آمن مضمون طبقًا لرؤيتهم أم يجازف الفرد ويسلك طريقًا مغايرًا منفردًا ليطارد أحلامه في محاولة لملاقاة ذاته، وعيش رحلته الخاصة بعيدًا عن التوقعات، ويعيش حياته على طريقته، حتى لو كانت مختلفة مليئة بالتحديات ومعاكسة للتقاليد؟
وأخيرًا تضع الرواية معيارًا آخر للنجاح بعيدًا عن الألقاب والمناصب والانجازات الشكلية.
ولا تنتهي الرواية عند تحقيق درجة الدكتوراه أو بلوغ المنصب الأكاديمي بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك. رحلة استكمال ومواصلة البحث وطلب العلم. رحلة تتمثل في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.
#مسابقة_ريفيوهات_مع_مرتبة_الشرف