مراجعة رواية: مع مرتبة الشرف — للكاتب عمرو حسين
بقلم: قارئة شغوفة بالحياة من بين صفحات الكتب
لطالما أحببت الروايات الاجتماعية، ووجدت فيها ملاذًا يُشبهني، وتحديدًا تلك التي تحاكي تفاصيل العائلة والهمّ الإنساني العميق. ومع قراءتي الأولى للكاتب عمرو حسين، شعرتُ كأنني أمسك بأحد خيوط ذاتي. اخترت رواية مع مرتبة الشرف للمشاركة في مسابقة مكتبة وهبان، وكأن قلبي يخبرني أن هذه الرواية هي بدايتي الحقيقية في تحدي القراءة لشهر يونيو.
هذه الرواية لم تكن مجرد صفحات تُقرأ، بل كانت تجربة حيّة، محملة برسائل عميقة عن العائلة، والحياة اليومية، والتعلّم الذاتي عبر القصص التي تشبهنا حدّ الألم. لطالما عشت صمتًا أمام مشاكل عائلتي، وعجزت عن البوح، لكن هذه الرواية منحتني صوتًا داخليًا أفهم به ذاتي أكثر.
سعادتي لا تُوصف بعد أن كسرت حاجز "بلوك القراءة" الذي دام لأيام. كانت هذه الرواية بمثابة شرارة أعادت النور إلى عالمي القرائي، وأيًا كانت نتيجة المسابقة، فقد ربحت ما هو أثمن: رواية أحببتها من قلبي وملأت وقت فراغي بالمعنى.
افتتحت الرواية بمشهد زلزالي قوي، لا فقط كحدث في القصة، بل كرجفة في قلبي أيضًا. جاء هذا الزلزال مشابهًا لما حدث قبل أسابيع قليلة في الواقع، فخلقت الرواية مقارنة غير مباشرة بين زلزال أكتوبر الستينيات وزلزال مايو الماضي. شدّني هذا التوازي بين الخيال والواقع، وأشعرني بالرهبة التي شعرت بها فعلًا حينها.
"وليد أبو المكارم" — اسمٌ لا يُنسى. شابٌ صنع من حلمه طريقًا وسط مجتمع لا يُصدّق إلا بما هو مألوف. هو لم يختَر الطب رغم أنه كان القمة، بل اختار شغفه بكلية الهندسة، وانتصر. في وليد رأيتُني، رأيتُ كل من يُكافح بصمت، ويُحب أمه حتى النفس الأخير.
بكيت في مشهد وفاة والدة وليد في المستشفى... ولم أستطع أن أُخفي دموعي. أسلوب الكاتب شديد السلاسة، محمّل بإحساس فني دافئ، يلمس الروح، ويغلف الألم بجمالٍ ناعم. كانت اللغة الفصحى مُحببة إلى قلبي رغم قلة الحوار، لأن السرد الذاتي العميق هو ما جذبني أكثر.
الرواية نُسجت بلغة داخلية، تأملية، تُشبه المذكرات التي نكتبها سرًا. وليد كان يركض وراء حلمه، وسط زحام الدراسة، وضيق الواقع، وألم الفقد. شعرتُ أني أعيش معه لحظة بلحظة. وما زلت أذكر قسوة الأيام عليه وقت الامتحانات بعد وفاة أمه. كان الأمر واقعيًا إلى حد مؤلم، حتى خُيّل إلي أنني أقرأ سيرة لا رواية.
أحببت التفاصيل التاريخية: من سقوط الطائرة في 1999 بقيادة جميل البطوطي، إلى ذكر فوز الدكتور أحمد زويل في أكتوبر، إلى التغيرات التكنولوجية، ودخول الهاتف المحمول إلى مصر. هذا المزج بين التاريخ الشخصي والعام جعل الرواية نابضة بالحياة.
"محسن" كان صديقًا وفيًا، وكأن لكل وليد فينا محسنًا لا يتغير، يشهد على الحب والصراع. و"وسام"، كانت هي الحبيبة التي حلم بها وليد، وكانت ملاذًا واستمرارًا رغم المسافة.
كرهت شخصية "حنان" في بداياتها، ربما لأنها قاسية وتُشبه بعض مَن مرّ في حياتي. لكنها تطورت في نهاية الرواية، وكلماتها في المكتب مع وليد، ثم حديثها في التاكسي بعد منحه شهادة الدكتوراه، جعلتني أُعيد النظر في قسوتها الأولى.
أحببت هذا المزج الرائع بين الواقع والخيال، بين الشعور والفكر، بين الغضب والحب، بين الماضي والحنين. وكلما طوى وليد صفحة من حياته، شعرت أني أُغلقها معه.
تجربته في أمريكا، مواجهته لأحداث 11 سبتمبر، غربته، نجاحه، ثم عودته إلى وسام، كلها تفاصيل أنضجته وأنضجتني معه. مشهد الانفجار ذكرني بمشهد مماثل من فيلم "ذات"، ووجدتني أُقارن بين الصورة السينمائية والصورة الروائية، وكأن الرواية تتنفس بالعين قبل القلب.
أخيرًا، شعرت بالفخر في المشهد الأخير، حين يعود وليد مناقشًا أطروحة الدكتوراه، ووالده يقول له بفخر: "أنا فخور بك". كانت هذه اللحظة ذروة الشعور، لحظة الانتصار، الانتصار للطفل الحالم، للشاب المكافح، للإنسان.
لو لم أقرأ هذه الرواية، لفاتتني تجربة نادرة. ولولا تشجيع إسلام وهبان، لما اكتشفت عمرو حسين، ولا وليد، ولا وجدتُ نفسي بين السطور. الآن، أستطيع أن أقول بكل صدق: مع مرتبة الشرف ليست فقط عنوانًا لرواية... بل حالة شعورية نلتُها أنا أيضًا، كقارئة.واخيرا سعيدة جدًا بقراءة هذه الرواية..