غير مرئية > مراجعات رواية غير مرئية > مراجعة Nasser Ellakany

غير مرئية - شيرين فتحي
تحميل الكتاب

غير مرئية

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

في روايتها "غير مرئية"، تأخذنا الكاتبة المبدعة "شيرين فتحي" إلى مناطق بعيدة، ستجعلنا نواجه نوعًا جديدًا من تلك المشكلات التي كان فرانز كافكا يورطنا فيها، وستستدرجنا إلى حالة من حالات العبث التي كان ألبير كامو يربكنا بها، وسترينا جحيم الآخرين الذي كان چان پول سارتر يحدثنا عنه، وستعرفنا بشخصيات هائمة كتلك التي كان يوچين يونسكو يسوقها إلينا.

رواية بديعة ممتعة، استطاعت شيرين فتحي أن تودع بها ملامح أزمة الإنسان ومعاناته على المستويات النفسية والفلسفية، الذات والآخر، الأنا والهوية، المعنى والعبث، الوجود والعدم، الحقيقة والخيال، وصدق إدراك العالم من حولنا.

سنكتشف أن للرواية أكثر من راوٍ، الأم المؤلفة والابن الكاتب والابن الآخر وحتى الأب، لم نكن ندري أي من تلك الشخصيات حقيقية وأيها مزيفة، فقد كانوا جميعًا يتحدثون إلينا، عاليا أم الطفلين الذين سيصبحان كاتبين أحدهما حقيقي والآخر مزيف، هل كانت هي زوجة الابن الكاتب أم كانت هي الأم المؤلفة، وهل الأب هو الابن الكاتب أو ربما الابن الآخر، سنكتشف في النهاية ما هو أبعد من ذلك.

تحدثنا الرواية عن لعبة الإدراك والهوية، وسؤال الوجود كما طرحه السرد:

❞ لقد وجدت نفسي فجأة في داخل القصة ❝

🔘 في الفصل الأول "غير مرئي"، وبضمير المتكلم، حدثنا الابن الكاتب عن نفسه وعن زوجته عاليا وعن أمه وأخيه، وعن مشكلة الكتابة، وعن المؤلف الكبير، رأينا الابن الكاتب حين كانت كتابته وكل كلماته تختفي، يكتب ثم تعود الصفحات بيضاء مرة أخرى، وحين أمره المؤلف الكبير أن يتوحد مع الجمادات وأن يصير مزهرية، لم تبقى كتابته إلا عندما كتب على جسد عاليا، ثم بعد أن سكب روحه الحقيقية فوق الورق.

حضرنا السباق العكسي وما حدث في أحد المهرجانات الثقافية عندما خسر لأنه وصل أولًا، ورأينا طارق صديقه الوحيد الذي لا يراه إلا قاتلًا محترفًا، وعرفنا الكتب التي لم يقرأها ولم يمسسها، والكتب التي قرأها ونسيها، والكتب التي قرأها ويتذكر ما بداخلها:

❞ لمَ لا يموت أنصاف الموهوبين؟ لمَ لا يتحللون من تلقاء أنفسهم.. لمَ لا يموت الرديئون سريعًا ليفسحوا جزءًا من المكان للجيدين لكي يظهروا؟ ولكن ماذا لو كنتُ رديئًا أو نصف موهوب؟ ألا يعني هذا أن أموت وأتحلل مثلهم أو حتى قبلهم؟ يالها من فكرة مريعة. ❝

🔘 في الفصل الثاني "خطوات صناعة المجد"، قبل أن يتبدل الحكي مرة أخرى إلى ضمير المتكلم للأم، بدأ السرد بجزء من القصة التي تكتبها الأم بضمير الغائب من خلال راوٍ عليم، تلك القصة التي تخبرنا عن الساموراي والكايشاكو والسيبوكو، وصفت لنا تفاصيل عملية الداكيكوبي، وحدثتنا عن يوكيو ميشيما ورباعيته الأدبية سيمفونية بحر الخصب ورائعته اعترافات قناع، يوكيو ميشيما الذي انتحر بطريقة السيبوكو، والتي كادت الأم أن تلحق به.

تجهز الأم حلة الملفوف بكفها وتسند رأسها المتخلخلة بالكف الأخر، تبحث عن مخرج، بعد سبعة أيام غمرتها أخيرّا نشوة اندفاع الدماء، حدثتنا عن نفسها، وصفت عملية الولادة، وحدثتنا عن كونتيسة الدم إليزابيث باثوري، ودماء فتياتها الفقيرات والدماء الملكية المجرية التي شربتها، حدثتنا عن الصبي والطفل، وظهرها الممتد القديم، ورفيقها الخيالي ورفيقها الآخر، عندما يكون الرفيق الحقيقي هو "الآخر" والرفيق الخيالي هو الأصلي:

❞ تكتب بهدف التنقيب، بهدف إزاحة المزيد من اللطخ والطبقات المعتمة عن روحها وعن العالم، رغبة في الوصول إلى المشهد النقي.. إلى تلك الطبقة الشفافة.. إلى الرؤية الواضحة التي لا يحجبها ساتر ولا يعيقها عائق. ❝

كان لكل من الفصلين الأول والثاني ستة مقاطع.

🔘 في الفصل الثالث "الفصل الأخير"، جاء المقطع السابع لكل من الفصلين الأول والثاني وجاء المقطع الوحيد للفصل الثالث ذاته بصوت الأخ الآخر، وكان يتخلل ذلك ثلاثة مقاطع صفرية كانت تحكي أسرار ما قبل بداية الرواية وما بعد انتهائها، عرفنا فيها ما حدث مع بطل نص "المكتبة" للكاتب "زوران جيفكوفيتش"، وعرفنا قصة الهرب والقطار والطفلين، وحتى عنوان الكتاب عندما تغير من "أمي" إلى "أمنا" لكي يعيد له أمه، لم يجدي بالأمر شيئًا، فالأمر كان أعقد من ذلك، فمثلما يمكن تبديل الأطفال حديثي الولادة حين تستلمهم أمهاتهم، يمكن أيضًا تبديل الأمهات المسنات حين يستلمهم أبناؤهن.

في النهاية، يتحول السرد إلى ميتافيكشن، هل هناك وجود للابن المؤلف صاحب الفصل الأول، هل هناك وجود للأم صاحبة الفصل الثاني، هل كان الابن الآخر يتلاعب بنا منذ البداية، عندما انتزع زمام السرد في أحد مقاطع الفصل الأول ليحكي عن أمهما، ثم انتزعه مرة أخرى في الفصل الأخير:

❞ «لأن الأم شعرت بالوحدة قررت أن توهم نفسها أنها أنجبت. ولأن الطفل ظل وحيدًا اخترع له أخ. ولأنني فكرت أن أتخلص من وحدتي تخيلتهم جميعًا وحكينا الحكاية.» ❝

كان صوت السرد الحائر في فصول الرواية، والأصوات المتداخلة والضمير المتناوب بين المتكلم والغائب، والوجود المضطرب والهويات المتشابكة والشخصيات الذائبة داخل بعضها البعض، كان كل ذلك يجعل العالم رخوًا لا يمكن إمساكه: ❞ حين نعجز عن قتل العالم، نقوم بقتل أنفسنا. ❝

انتبهنا إلى ما يحدث في الرواية عندما رجعنا إلى عبارة الاستهلال: ❞ هذه الرواية يحكيها الطفلان لو عاشا… وتحكيها الأم لو أنها أنجبتهما… وأحكيها أنا أحيانًا. ❝.

وعندما قرأنا في عبارة الإهداء: ❞ مني إلى عاليا والعكس... ❝، وعرفنا سر الرقم صفر، ساعتها أدركنا أننا بالفعل تائهون بين الواقع والخيال، وبين الحقيقة والرواية، وعلينا أن نبحث عن طريق الوصول.

🔳 استخدمت شيرين فتحي لغة كثيفة ومفردات مراوغة، تناسب ذلك الترسيب النفسي والتموضع الفلسفي في الرواية، فمع تعدد الهويات واضطراب الإدراك، كان هناك أيضًا تلك النزعة الفلسفية الباركلية، لمحنا چورچ باركلي القائل بأن الأشياء المحسوسة لا توجد في استقلال عن العقل الذي يدركها، والباركلية هي مذهب مثالي ذاتي، لا يعزل الوجود عن الإدراك، لإن الموجود يقينًا هو الإدراك، وبالتالي فإن شرط وجود العالم والآخرين هو إدراكنا لهم.

بعد تلك الرحلة المدهشة مع مشكلات كافكا وعبث كامو وجحيم سارتر وشخصيات يونسكو، تأتي خلخلة إدراك باركلي الصادمة لتعيدنا إلى نقطة البداية مرة أخرى، لكي نبدأ جولة إدراكية أخرى نبحث فيها عن الهوية الحقيقية، في ذلك العالم الذي خلقته شيرين فتحي.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق