في هذا الكتاب الغريب الجريء، يتردد صدى حكمة شعبية قديمة:
❞ راس بلا كيف
تستاهل قطع السيف ❝
جملة قد تبدو من جراب الحكمة المصري، لكنها تبدو أيضًا عالمية في معناها العميق.
فكما يسعى الإنسان دائمًا وراء المعنى، يسعى أحيانًا — في سرّه — إلى الهرب من هذا المعنى.
ذلك الهرب الذي يؤرّقه، فيسعى إلى أن يُسكته أو يُشبعه، بأي طريقة.
يطلقون عليها "مشروبات روحية"،
لأنها تُغازل الروح، وتُدغدغ الحواس، وتعبث بالقشرة الدماغية،
تلك التي تفصل بين العقل... والجنون.
❞ في اللغة:
(خ م ر: خَمْرةٌ وخَمْرٌ وخُمُورٌ مثل تمرة وتمر وتمور، وهو العُقار، والمُدام أيضًا،
يُقال: خَمْرةٌ صِرْف.
قال ابن الأعرابي: سُمّيت الخَمْر خمرًا لأنها تُركت فاخْتَمَرَت،
واخْتِمارها يُغيّر ريحها.
وقيل: سُمّيت بذلك لمخامرتها العقل.
والخِمِّيرُ: الدائم الشرب للخمر.
واخْتَمَرتِ المرأة: لبست الخِمَار.
والمُخَامَرة: المخالطة.
واسْتَخْمَرَهُ: استعبدَه). ❝
لا يكتب الكاتب عن الخمر فقط، بل عن الحق في شرب الخمر —
عن حق الغياب عن الوعي،
ذلك الحق الذي طلبه الناس كلما أتعبهم وأرعبهم هذا الوعي.
منذ فجر التاريخ، حين كان الفراعنة يعصرون العنب ويخمّرون الشعير،
وحتى دولة الباشا: محمد علي،
تاجر الكيوف الألباني،
الذي حكم مصر هو وأولاده لقرن ونصف القرن.
ويتوقف الكاتب عند ثورة عرابي واحتلال الإنجليز،
ربما لأن له كتابًا آخر عن صعود وانهيار "دولة البارات" في مصر —
وهو خيط متصل بهذا العمل.
الكتاب ممتع، مشوّق، لكنه ليس محايدًا.
السرد فيه جميل، لكنه منحاز، ويفتقر أحيانًا إلى التدقيق التاريخي.
لكن يبقى الموضوع نفسه متفرّدًا:
يدير الرؤوس، ويُسيل لعاب المشتاقين إلى جنة اللاوعي،
والتواقين إلى تلك الحرية الإيجابية
التي نختار فيها ما يناسبنا — لا ما يُفرض علينا من قوائم الممنوعات.
ولأن الحديث عن الكيف لا يكتمل دون المرور بتاريخ الخمر في الإسلام والجزيرة والشام والعراق واليمن،
فقد مرّ عليه الكاتب بإيجاز ذكي، يكفي لتوسيع الصورة، دون أن يُثقل النص.
الكتاب يستحق القراءة،
كمادة بحثيّة تاريخيّة اجتماعيّة،
بغض النظر عن موقفك الشخصي من الكأس... أو الوعي.