من صندوق الدنيا > مراجعات كتاب من صندوق الدنيا > مراجعة Abd El Rhman Nasr

من صندوق الدنيا - بلال فضل
تحميل الكتاب

من صندوق الدنيا

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

أن تغضب فتكتب.. لكنك فنان يجيد الحكي.

في زمن تتسارع فيه الكلمات وتبهت الحكايات، تبقى هناك أصوات قليلة قادرة على أن تأسر القلب والعقل معًا. بالنسبة لي، بلال فضل ليس مجرد كاتب أو حكّاء بارع؛ بل هو رفيق رحلة ممتدة مع الحكي الجميل الذي لا تملك معه إلا أن تحب.

هذا المقال محاولة بسيطة لرد جزء من الجميل لهذا الرجل الذي كلما قرأت له أو استمعت إليه، شعرت أن الكتابة ما زالت قادرة على أن تكون متعة خالصة ونورًا في أيام معتمة.

لو كان بلال فضل بطلًا خارقًا، لكانت قوته الخاصة هي القدرة على الحكي والسرد والاسترسال - وزود يا بني ما يهمكش - دون أن يفقد القارئ أو المشاهد خيط المتعة أو يختبر ذرة ملل. وأقول ذلك عن قناعة؛ إذ كم من روائيين محترفين، عربًا وأجانب، لا يستطيعون تحقيق هذه التوليفة المعقدة!

أرى أن موهبة بلال فضل بمثابة غربال يصفي عبره محبيه الحقيقيين عن المدعين أو عن أولئك الذين لا يجدون أنفسهم في أسلوبه الخاص، سواء ثقافيًا أو إنسانيًا. ففي زمن الريلز وفيديوهات كيكة العشر دقائق - التي قد تستغرق ساعة كاملة لصناعتها بالمناسبة! - وعصر التيك توك والمحتوى السريع، من ذا الذي يستطيع الجلوس لمشاهدة ساعة كاملة من الحكي، أو قراءة كتاب يزيد عن ٥٠٠ صفحة لكاتب كل ما يفعله هو الكلام؟

الإجابة ببساطة: من يحبه حقًا ويجد في حديثه سعادة خالصة.

وأظن أن بلال فضل نفسه يدرك ذلك تمامًا. أشار إليه بوضوح في أولى حلقات برنامجه "الحكاية والرواية" على اليوتيوب في رمضان الماضي، حين نصح من يملك خبرة ومخزونًا كافيًا أن يحكي ولا يتوقف، فالجمهور سيجد طريقه إليه يومًا ما.

ولو افترضنا أن قدرة الاسترسال والحكي التي امتلكتها شهرزاد وأبقتها على قيد الحياة لألف ليلة وليلة قد ورثها البعض، فأنا أعتقد أن بلال فضل قد حصل على نصيب وافر من هذا الميراث.

شخصيًا، عندما أقرأ لبلال فضل، أشعر أنني أتشبث بكلماته كما يتشبث العامة بأصحاب الكرامات طلبًا للبركة. مع كل صفحة أقرأها، أتمنى أن أكتب شيئًا، أي شيء - ليس بالضرورة رواية أو قصة - بجزء من جمال ما يكتبه، ثم أختم الدعاء مثلما يقول هو دائمًا: "اوعدنا يا رب."

المهم ألا أطيل أكثر من ذلك، خاصة أنني أشعر أن أحدهم ربما يهمس: "لا تسو نفسك بلال فضل يا نجم!"، فلندخل في صلب الموضوع.

في كتابه الأخير "من صندوق الدنيا"، المنشور حاليًا على تطبيق أبجد، يحكي لنا بلال فضل بأسلوبه المعتاد جانبًا مثيرًا من مخزونه الثقافي، ملتقطًا بعين حساسة كل جميل من تجاربه الحياتية.

يجول بنا بين الأفلام والمسرحيات وزياراته للمتاحف الفنية، في مقالات تتفاوت في طولها لكنها جميعًا تشهد على استحقاق بلال فضل للقب "مجرم كتابة" بلا منازع.

منذ المقدمة، شعرت أن استكمال قراءة الكتاب سيكون مدفوعًا بحبي لشخصية الكاتب، من باب "حبيبك تبلع له الزلط"، لا سيما أنني لست من محبي حرق أحداث الأفلام أو العروض الفنية. لكنني كنت مخطئًا:

حتى مع الحرق الطفيف الذي قد يحدث، تبقى القصص التي يرويها أجمل وأعمق من أن يتوقف الاستمتاع بها على عنصر المفاجأة.

بل يذهلك بالسياق الذي يقدمه حول العمل الفني، خلفياته، كواليسه، وقضاياه العميقة التي تتماس بشكل مباشر مع القارئ، خصوصًا القارئ المصري.

يغلب على كتابته في هذا العمل طابع الغضب أحيانًا، خاصة حين يحتّم الحديث مقارنة الأوضاع بين ما نشاهده في الأفلام وما نحياه في واقعنا. لكنه غضب رحيم، يشبه غضب الأم على أبنائها من باب "ادعي على ابني وأكره اللي يقول آمين".

هو وإن استطاع أن ينقذ نفسه من كثير مما نعانيه، إلا أن هموم بلده ومجتمعه لم تبارحه. وهذا لا يقوله صراحة، بل تقرؤه بين سطور كلماته.

كأن بلال فضل يقول لنا: حتى الحديث الترفيهي أو قص الحكايات قد يحمل قضايا عظيمة، ورسائل تستحق أن تُقال.

من بين كل مقالات الكتاب، شدتني بقوة المقالة الأخيرة عن الفيلم الأرجنتيني "المواطن المثالي". شعرت أن بطل الفيلم هو مرآة لبلال فضل نفسه، وكأن خطوطًا كثيرة من حياته تماهت مع حياة هذا البطل.

لا أدري إن كان هذا مقصودًا أم لا، لكن النتيجة جاءت مدهشة ومؤثرة بكل معنى الكلمة.

أنهي حديثي عن بلال فضل، وأنا أعلم أن الكلمات مهما حاولت لن تفيه حقه. هو بالنسبة لي أشبه بواحة أعود إليها كلما جف خيالي، وكلما احتجت إلى تذكير نفسي لماذا نحب الحكايات ونؤمن بقوة تأثيرها. وربما يكون أجمل ما في الأمر أن محبة كاتب مثل بلال فضل لا تحتاج إلى تبرير أو شرح، فهي ببساطة محبة خالصة لا تطلب مقابلاً إلا المزيد من الحكي الجميل. -أوعدنا يا رب -.

ولذلك، لا يسعني وأنا أغادر هذه الرحلة الممتعة بين صفحات كتابه "من صندوق الدنيا" إلا أن أقول إنه كتاب لا يقدم مجرد خواطر عن الأفلام والمسرحيات والمتاحف، بل ينسج منها حكايات عن الذاكرة والمجتمع والحنين والخذلان والحلم.

قراءة هذا الكتاب أشبه بجلسة مطولة مع صديق حكيم لا يكتفي بأن يحكي لك، بل يفتح لك نوافذ ترى عبرها الحياة بشكل أعمق وأجمل.

ولعل من يدخل إلى عالم بلال فضل عبر هذا الكتاب، سيجد نفسه، مثلي، يتمنى مع كل نهاية حكاية أن تطول السهرة، وأن تتجدد الحكايات، وألا تنتهي أبدًا.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق