"أغدًا ألقاك؟ أم أن اللقاء لا يحدث إلا في الحلم؟"
غادة عثمان تكتب، لا لتسرد حكاية فقط، بل لتفتح جرحًا قديمًا في الذاكرة الجمعية، وتهمس في أذن القارئ: "أتعرف معنى أن تنتمي لوطن لا يريدك؟ أن تحب من ليس لك؟ أن تبحث عن طفل لم تره، لكنك تعرف أنه هناك؟"
رواية أغدًا ألقاك ليست فقط عن "عمر" و"ليليان"، بل عن الحب حين يُحاصر، والهوية حين تُنزَع، والوطن حين يُصبح طاردًا لأبنائه.
هي رواية القلب حين يُهزم، والعقل حين يُضطر للتصديق، رغم حدس داخلي يصرخ: "هناك شيء مكسور لا يُرى، لكنه يؤلم."
في 154 صفحة فقط، تُدوّن الكاتبة سنوات من الصراع، من الصمت، من الخيبات المتكررة... بين زوجين جمعتهما المحبة، وفرّق بينهما الخوف، التراكم، والدماء المختلطة بالتاريخ.
ليليان، امرأة يهودية مصرية، لا تنتمي لإسرائيل، بل لمصر بكل ما فيها. امرأة حاربت كي تكون، فخسرت كل شيء، حتى ابنها... أو هكذا قيل لها.
عمر، رجل أحبه قلبه ثم خانه عقله. سمح للشك أن يتسلل، فأضاع بيتًا وأملاً وطفلًا... وأضاع نفسه.
أما إبراهيم، ذلك القلب الضعيف في الجسد الطبيب، فهو ليس إلا ابنًا لكل هذا الشتات. طفلٌ نُزع من حضن أمه، وكبر في الغربة، يبحث عن وجهٍ لم يره، لكنه يسكنه.
الرواية تمر بك بين المعادي، والزمن الحارق لفلسطين، والتهجير القسري، والمشاعر المُقموعة داخل قلب كل من عاش في هذه البلاد زمن الانقسام.
تسأل الرواية أسئلة كبيرة دون صراخ:
من نحن؟
ولمن ننتمي؟
وهل الدين قادر على قتل الحب؟
وهل الوطن يختزل في بطاقة؟
وأين تذهب الأمهات حين يفقدن أبناءهن؟
اللغة قوية، لكنها ناعمة. كالسيف المغلف بالحرير.
والسرد هادئ، يُشبه بكاءً مكتومًا، أو همسة تُلقى في منتصف الليل.
---
اقتباسات علقت بي:
> "كل شيء يدور حول المركز... إلا أنا أدور حولك ولا ألقاك، فأدور حول نفسي بحثًا عنك."
"الأبوة ليست كلمة، بل دفء، واحتواء، ومساحة من الأمان."
"ليليان"... لم تكن فقط امرأة... بل وطن طُرد من نفسه.
---
الرأي النهائي:
أغدًا ألقاك ليست مجرد قصة حب، بل قصة فقدان متكرر، ومحاولات ترميم فاشلة، وشوقٍ لا ينتهي للـ"لقاء".
رواية تُوجعك بصمت، وتُحبك ببطء، وتتركك في النهاية وأنت تتساءل:
هل قابلها؟
هل عادت ليليان يومًا؟
وهل غفرت له؟
#_من_قلب_الرواية