ميكروفون كاتم صوت > مراجعات رواية ميكروفون كاتم صوت > مراجعة ماجد رمضان

ميكروفون كاتم صوت - محمد طرزي
تحميل الكتاب

ميكروفون كاتم صوت

تأليف (تأليف) 4.5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

"ميكروفون كاتم صوت"

الكاتب اللبناني محمد طرزي

نصٍ روائي إبداعي تبنى الحكاية فيه على معنى جذري هو عدم إحساس الإنسان بالوجود في المكان المولود فيه، إذا انتفت شروط تحقيق إنسانيته.

فعبر كوميديا سوداء حارقة ورصد واقعي لما آل إليه حال اللبنانيين تحكي هذه الرواية حكاية وطن ابتلي بميكروفونات تشبه ألوان أحزابه ومذاهبهم. ميكروفونات تحاصر الشعب بأناشيد وخطابات وانتصارات وهمية. هي ميكروفونات من نوع خاص، أصواتها العالية تكتم الأفواه.

ملخص الرواية :

سلطان ذلك الشاب الذي يعيش وأسرته على حافة المقبرة، يساعد حفار القبور ويرشد الأحياء إلى قبور موتاهم، وينتظر الفرصة التي لن تأتي. تعلّم ودرس المحاسبة ولم يستطع الفوز بوظيفة، علما أنّ بعض زملائه  الأقل ّ اجتهادًا منه “توظفّوا وتزّوجوا وصار عندن ولاد، مستنتجًا أن الحياة كلا وسايط، وعندما طرق الحب بابه صار وهماً وذكرى، وحينما ثار ورفاقه على الظلم نُعتوا بالخيانة والتآمر على الوطن؛ وكأي شاب كانت له أحلامه خارج سور المقبرة، حلم أن يكون كاتباً، حلم بالسفر، وبمستقبل آخر، ولكن في بلد تحكمه قوى الأمر الواقع سيكون للقدر رأي آخر.

السرد:

- تميزت الرواية بأسلوب سردي سهل ممتنع.

- لم يكتفِ الكاتب بالسرد من خلال راوٍ عليم، أو استخدام اسلوب “الفلاش باك” بل ترك للقراء مكانا في الرواية. بتطويع الأحداث وتوجيهها على نحو من شأنه ان تزيد قناعة القارئ بها وتجعله جزء منها.

اللغة:

- امتازت الرواية بأسلوبها الشيّق وبلغتها الصادقة البعيدة عن أي تصنع او تكلف وجاءت مطعمة باللهجة العاميّة.

- تعمد تكرار مفردات الكلمات وعناصر البيئة المحيطة متتبعة مسارها الوجداني في نفس(سلطان ) .

الشخصيات :

- للشخصيات الروائية في "ميكروفون كاتم للصوت"، طال زمنها أم قصر، حضور وأثر وملامح، من الكلب (دوجي) حتى ماما ريتا.

- شخصيات ملونة ومتنوعة، العديد منهم مهمشون، وجميعهم يكافحون لفهم الحياة والبقاء على قيدها في ظل ظروف تزداد صعوبة. يبحثون عن حلول في الأصدقاء، الروابط الطائفية، الدين، الحب، وسائل التواصل الاجتماعي، والهجرة الشرعية وغير شرعية.

الوصف:

- قد أبدع الكاتب في وصف الأماكن بحيث تخال نفسك وكأنك تعاينها برفقة سلطان وهو يتجول ببطء بين القبور ليستقر تحت أغصان شجرة الفيكوس؛ كما يأخذك إلى حفار القبور أبو الغضب وهو يدك الأرض ليخرج من جوفها رملاً رطبًا.

- كما أسهب الكاتب في وصف خان الأشقر وتاريخه ومن تعاقب على إشغاله إبتداءً بالأمير فخر الدين الذي بناه، ومن بعده جاء العثمانيون وانتهاءً بالفرنسين  لتستقر ملكيته أخيرا باسم المطرانية واستأجره شخص من آل الأشقر فأصبح يعرف باسم خان الأشقر.

ناقشت الرواية عدد من المحاور والقضايا ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- معاناة المهاجرين  وغدر المهربين بهم: تمثلت في الحال التي وصل إليها قاسم، صديق سلطان، والذي اختارالرحيل عن هذه البلد التي ما ضلّ فيها شي، علماً أنّ لا أحد يضع أبناءه في قارب موت إلاّ إذا كان البحر أكثر أمانًا من الوطن”.

- إستحضارُ الأمير فخر الدين ورغبةُ الساردِ في كتابةِ روايةٍ عنه، في محاولةٍ لإسقاط ِسيرتِه وما رافقها من تقييماتٍ مختلفة على الواقعِ اللبناني، لم يكن أبداً من قبيل الصدفة، بل ارادهَا روايةً رمزّيّةً تستلهمُ ماضيَ لبنان وحاضرَه، كونُها تظهِر إنقسامَ اللبنانيين حول مفهوم الوطن، وتآمرَ بعضِهم ضدّ بعض كما هو الحال راهنا .

- التحوّلاتِ الفكرية والإيدلوجيّات المستجدّة: بتشريح واستعراض رغبة البعضِ وهم كُثُر في حفظِ مصالحِهم، فكان لا بدّ لهم من ركوبِ هذه الموجةِ العاتيةِ التي لا تُبقي ولا تذر، وفي هذا يقدّم لنا الكاتب نموذجاً عن تلك التحوّلات، تمثلت بعائلةِ ابي عباس اليساريّ، والذي سمع بشاعرِ إسبانيا لوركا فأعجبه الإسم واختارَه إسماً لوليده . لكن ومع تبدّلِ المناخِ السياسيِّ العام، إنقلب أبو لوركا على نفسِه وانحازَ للمقلبِ الآخرِ حفاظاً على نشاطِه التجاري. وانتقلت عدواهُ هذه إلى كل أفرادِ عائلتِه.وهكذا فعل ابنه لوركا – عازف الأكورديون – اختار لنفسه إسما بديلا هو “ساجد” وتحول إلى مُنشد دينيّ لا بل “مجاهد” ينتهي قتيلاً ِ في إحدى معارك تنظيمه. أما شقيقته غيداء فقد أصبحت محجبة ترتدي عباءة سوداء لا تُظهر سوى اليدين والوجه مما دفع بسلطان للقول: سبحان مغيّر الأحوال”. وأخيرًا يأتي دور الأم التي كانت دائمة المواظبة على صالونات التجميل وتصفيف الشعر، فها هي قد التحقت بالركب أيضا زاهدة في حطام الدنيا.

استحضرَت الروايةُ اكبرَ وأحدث جريمتين ارتكِبتا بحقِّ لبنان:

- الجريمة الأولى: هي الإنهيارُ الماليّ، حيث لم تعُد الليرةُ بخير بعد إقفال المصارف وتحليقِ الأسعارِ عالياً وتفشّي البطالةِ واختفاءِ الموادِ الغذائيةِ وأيضاً الأدوية، وعادت طوابيرُ الذلّ – أو العزّ كما يحلو للبعض- امام الأفرانِ ومحطات ِالوقودِ والصيدليات .أضف إلى ذلك التوقف عن إصدار جوازاتِ السفرِ بسبب فقدان المواد اللازمة لطباعتِها.

 - الجريمة الثانية هي تفجيرُ المرفأ وفداحةُ الأضرارِ التي نجمَت وكان من ضحاياها وداد صديقةُ سلطان.

تميزت الرواية بعناصر استعارية ومجاز عميق :

فإن كانت تتحدث عن لبنان اليوم، إلا أنها خرجت من محدودية المكان والزمان المفترض لتكشف واقعًا إنسانيًا عامًا عن أزمة الإنسان المعاصر في مدن تدفن الروح وتقتل الحلم.

- ظاهرة الميكروفونات : كان الميكرفون الشخصَ المعنوي في هذا العمل الروائي، هذا الميكرفون الذي  يُستخدمُ أساسًا لإيصالِ المعلومةِ إلى أكبرِ عددٍ ممكن، نجدأأولي الأمرِ عمَدوا إلى تغيير رسالتِه، وأصبح بضجيجه وتُرَّهاتِه كاتمًا للعديد من الأصواتِ المعترضة ومبجّلاً  للمعبودين من زعماءِ الأمرِ الواقع. وأصبحت المدينة ُ كغيرِها من المدن، محاصرةً بالميكرفونات فوق الأعمدةِ  والمباني، ناهيك عن الميكرفونات الجوالة على السيارات ملوثةً السمعِ بأناشيدَ وخطاباتٍ لم تكن يوماً السبيلَ لخروجِ هذا الوطن من محنتِه الاقتصادية والمعيشية.

- صورة الزعيم على مدخلِ المقبرةِ، كأنها تُشيرُ إلى أن المواطنين لن يفلتوا من قبضةِ إبتسامةِ الزعيم المصطنعةِ حتى وإن ماتوا، وسيبقى الكابوسُ الذي يقُضُّ مضاجَعهم في مماتِهم كما في حياتِهم، هو دائمَ الإبتسامةِ عليهم وليس لهُم.

 - أن يبدأ الكاتب روايته من بين أسوار المقبرة فيه من الدلالة والرمزية الشيء الكثير فقد توزع مسارها بين مقبرة الأموات المكللة بصورة الزعيم وهو يبتسم وبين المدينة مقبرة الأحياء المصادرة من ميكروفونات الزعيم الكاتمة للصوت.

تبقى اشارة ولو بسيطة تطرقت لها الرواية وهي ظاهرة انتشار أندية القراءة التي انتشرت مؤخرًا في البلاد، واللافت أن الخلاف في وجهات النظر يفسد للوِّد قضية على عكس القول الشائع، بحيث أن بعض المناكفات بين أعضاء النادي الواحد أدت وتؤدي إلى تفرع هذا النادي إلى أندية.

ختاما:

إذا كان النص جاء صاخبًا بخطاب مكتومي الصوت. وإذا كانت نهايات أبطالها ليست سعيدة تمام السعادة، فسيكون لمن يقرأ 'ميكروفون كاتم صوت' أن يشاركهم وجدانيا الأسى الذي ملأ قلوبهم، ولكن أيضًا فرصة رؤيتهم وهم يثبتون أن الحياة والحب أقوى من كل الحواجز الحقيقية والمتوهمة.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق