أَيَضحَكُ مَأسورٌ وَتَبكي طَليقَةٌ
وَيَسكُتُ مَحزونٌ وَيَندِبُ سالِ
لَقَد كُنتُ أَولى مِنكِ بِالدَمعِ مُقلَةً
وَلَكِنَّ دَمعي في الحَوادِثِ غالِ
لا أمل من تريد أنني عراقي من مصر أو مصري من العراق و لا أدري ان كان العراق من العراك أم من الأعراق و ان كانت مصر من الإصرار أم من المصير.
فالهم واحد و المصير واحد مهما تباعدت الأماكن و الأزمان. و إن كان الحسين قتل في العراق و قيل أن رأسه دفن في مصر فإن قتلة عثمان كانوا قد انطلقوا من مصر و قيل ان المطاف قد انتهى بهم إلى العراق. تاريخ ملتبس من كل حاجه و عكسها في البلدين و ان كان المصريون قد تفوقوا في البؤس و النكتة أما العراقيون فقد تفوقوا في التشرذم و حب الحياة في الوقت ذاته.
❞ العراقيون يشبهون السمك إلى حد بعيد؛ حالما يخرجون من النهر يشعرون بالاختناق! لذا تراهم، أينما رحلوا، شقّوا نهراً ومارسوا فيه حياتهم السمكيّة. ليس هذا فحسب، بل هم يشبهون السمك في قصر الذاكرة أيضاً، فكلاهما ينسى الفخ سريعاً ليقع فيه من جديد. ❝
الحكاية ليست جديدة
قصة البلد الذي سقط بالديكتاتورية و من ثم التسليم للأيدي الخارجية التي تهدم من حيث تدعي الإصلاح و في قلب الأحداث قصة الهروب و اللجوء و محاولة الإندماج في بلد المهجر ثم الرجوع للبلد الأم لظرف ما بالهوية الجديدة
❞ كانت هويّتي تحمل الرقم سبعمائة وسبعة وسبعين، وسينادونني بعد ذلك: سبعة سبعة سبعة. لم أكن مكترثاً لما سينادونني به واقعاً، إذ ما دمتُ سأحصل على سريرٍ دافئ في وطن آمن، فلا ضير إن أمسيتُ ثلاثَ سبعات، أو تسع خمسات، أو صفراً على الشمال حتى. لقد امتلكتُ فيما مضى أسماء كثيرة، لكنّها لم تجلب لي الدفء. منحتني أمي، مثلاً، اسم سعيد، فكنت يتيماً مكسورَ الخاطر، لم أرَ السعادة يوماً في حياتي. منحتني المدينة التي اندلق فيها رأسي لقب ابن دار السلام، فنشأتُ خائفاً أترقّب الحرب متى تنتهي، لتشتعل أخرى أشدّ ضراوةً وأكثر قبحاً. منحني التاريخ ألقاباً كثيرة، كابن الرافدين، وحفيد جلجامش، وابن خالة حمورابي، لكنّي لم أجنِ من تلك الألقاب سوى الخيبة والانكسار. ❝
أجواء كونديرا في الفكرة حيث كانت نكتة هي سبب هروب بطل الرواية من حكم مؤكد بالتشرد و الضياع
❞ كيف قضت نكتةٌ تافهة على حياتي وجعلت أيامي مظلمة مثل قبوٍ مهجور؟! ❝
ثم حكمة كونديرا مرة أخرى في فلسفة التفاهة المنجية من عبثية الحياة
❞ لكنْ، مع الأيّام أيقنتُ بأنّ الضحك حين يختلط بالبكاء، يدلّ على أنّ منسوب التفاهة في الحياة قد ارتفع، وأنّ لا حلّ لديك سوى المضيّ معها حيث تريد.. فمضيتُ. ❝
فيما عدا ذلك لا أثر أخر لكونديرا
أزهر جرجيس و هذه قراءتي الأولى له و يبدو أنها لن تكون الأخيرة - لديه موهبة غير تقليدية في الوصف بتشبيهات مبتكرة خفيفة الظل لا تأتي إلا من مبدع حقيقي
❞ في المنتصف تقف أرجيلة بغداديّة مزخرفة باللازورد، يعتليها فنجان فخاريّ معبّأ بخليط العنب المخمّر منذ نكسة حزيران 1967م. فوق الفنجان تستريح جمرتان متوهّجتان، كأنهما حجر الزمرّد الأحمر، وقرب الأرجيلة منضدة ينتصب فوقها سَماور تفوح منه رائحة الشاي المُهيّل، وأقداح مذهّبة وأنيقة كعرائس الأناضول. ❝
كما أن لديه قدرة على السرد ببساطة تذكرك بعظماء أمثال احسان عبدالقدوس مع اختلاف الأسلوب و ان كانا اشتركا في أنه سرد بسيط لا فذلكة فيه و لا تحاذق في استخدام اللغة او الإستعارات أو الجمل العميقة التي تغري بالإقتباس و في الوقت نفسه فهو سرد مذهل و محبب للنفس على بساطته.
الفصول جاءت قصيرة متتابعة كزخات المطر أحيانا و كضربات السياط أحيانا أخرى مما سهل من مهمة القارئ في متابعة و استيعاب الأحداث التي جاءت في رتم متوازن يبدو أنه مدروس بعناية لا يترك فرصة للملل و لا يتسارع أكثر من اللازم فيشتت الإنتباه و لكن عابه أنه قطع الاسترسال في السرد في بعض المواضع و الذي ذكرني بالفانوس السحري و هو لعبة تشبه الكاميرا بها ثقبين ننظر فيهما فنرى الحكاية عن طريق عدة صور متتابعة مع صوت الراوي في التعقيب على الأحداث.
تتسلل بعض الكلمات العامية في بعض الجمل الغير حوارية و لكن بصورة نادرة لا تؤثر على بلاغة الرواية.
كل ذلك أثر على رسم الشخصيات و علاقتها ببعضها و قد أعطانا الكاتب مفاتيح الشخصيات و ترك لنا العنان لنتخيل كل ما يلزمنا في هذا الموضوع. كذلك الأحداث التي كانت عادية بلا عقدة و لا صراع و لا كثير من التعقيدات الدرامية فقد كان البطل محظوظا في رحلة هروبه و عودته كما ان النهاية أيضا كانت متوقعة كفكرة دون الخوض في التفاصيل.
كرواية خفيفة تحكي المحكي و المعلوم بالضرورة و سرد مباشر يصل لذهن المتلقي دون فلسفات فارغة فقد نجح أزهر في أن يجعلني لا أنهي اليوم إلا و قد أتمتت الرواية رغم أنه يوم الجمعة. لذا فقد ظننتها من بدايات الكاتب إلا أنها لم تكن كذلك. متشوق لقراءة أخرى له في المستقبل القريب مع وادي الفراشات و باقي أعماله القادمة.