إن كان نور القلب صافيًا، فلن يضل صاحبه الطريق أبدًا.
من بين الصفحات، وصلتني رسائل عميقة تركت أثرها في داخلي؛ أن الأوغاد سيظلون يجوبون العالم من حولنا، وهم كُثر، ولا سبيل لإصلاحهم، لذا لا ينبغي أن نحمّل أنفسنا فوق طاقتها. وأننا غير ملزمين بتغيير أحد أو تغيير العالم، فالتجاهل في أحيان كثيرة خلاص. كما أن من يخالفك أو يحاول إسقاطك لن يملك ضررك ما دمت تقاوم بعملك وإيمانك، فالقلب هو بيت القصيد، ومنه يبدأ كل شيء.
منذ سنوات، اعتدت اقتناء روايات الدكتورة منى سلامة دون تردد، وأنا على يقين تام أنني سأقع في غرام الحكاية وشخصياتها وأحداثها، حتى أنني لا أقرأ أي مراجعة أو ملخص مسبق، لأترك لعنصر المفاجأة مساحة كاملة، ثقةً مني بقلمها الذي لا يخيب ظني. لكن هذه المرة وجدت نفسي أمام تجربة مختلفة؛ فأنا بطبيعتي لا أميل إلى الروايات الفلسفية الرمزية ذات الطابع العبثي والمبهم، وقد استنفدت صبري مرارًا، واستغرقت وقتًا طويلاً حتى أنهيها.
حوارات لوط مع نفسه كانت الأكثر مشقة بالنسبة لي؛ سطور طويلة تغوص في هواجس ومخاوف وعقد رجل ستيني وحيد، شعرت معها بثقل على قلبي وكأنني أقرأ وجعًا متواصلاً لا ينتهي. على النقيض تمامًا، استمتعت بكل حواراته مع الفتاة، ذلك الغموض الذي يكتنفها وحكاياتها التي تحمل في طياتها رموزًا وحِكمًا عميقة، وكانت هي الخيط الذي يكشف بعض الألغاز التي بقيت مبهمة حتى الفصل الأخير. أكثر ما أسرني قصتها عن الحقيبة التي تحمل العالم كله، فقد ذكرتني برواية فلسفية خيالية أعشقها، هي ألف جناح للعالم.
أما الجزء الأجمل بالنسبة لي فكان بعد أن اتضحت الصورة أخيرًا، خاصة الحوار الأخير مع نوح، الذي قلب الموازين وكشف عمق الفكرة، إذ أبدعت الكاتبة في رسم علاقتنا بالعالم وكيفية تعاملنا مع الصراعات التي نخوضها يوميًا، ومع الأثر الذي يتركه الآخرون في أرواحنا، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا. النهاية بالنسبة لي كانت ذروة الرواية وأكثر ما أحببته فيها.
لغة الرواية كانت كالعادة متقنة وبديعة، مليئة بالصور الرمزية التي تتألق في ذهن القارئ؛ الحقيبة التي تتسع للعالم، الفتاة الطاووس، البرق، الفيضان، والعنقاء… تشبيهات نسجتها الكاتبة بحرفية عالية.
في النهاية، يبقى تقديري واحترامي الكبير للدكتورة منى سلامة، لكن هذه الرواية، برغم عمقها وأفكارها، لم تكن الأقرب إلى قلبي. فعندما يتسلل الملل إلى نفس القارئ، يكون ذلك مؤشرًا إلى خلل ما في السرد، حتى لو كان النص غنيًا بالأفكار والرموز.