تقديم:
يعتمد فن القصة القصيرة على تكثيف اللحظة والتقاط مشهد ذو تأثير في النفس والمشاعر لتكون نقطة انطلاق القصة الحقيقية وتقتصر فيه الشخصيات عادة على اثنين أو ثلاثة على الاكثر وهو ما يجعل كتابة القصة القصيرة محكومة بقواعد لا تتيح للكاتب تجريب طرق والعاب السرد والتجريب المختلفة.
لذلك تتشابه معظم المجموعات القصصية في الآونة الاخيرة من حيث طريقة بناء القصة وتقديمها وإن اختلفت مواضيع القصص ولغة الكتابة. هذا لا ينفي وجود جيل شاب جديد تمرد على قواعد القصة الكثيرة وجعلها أكثر رحابة وجدد في طريقة تقديمها وتناولها لكن يبقي هذا الفن هو الملعب الحقيقي لاختبار موهبة أي كاتب فالحفاظ على تركيز القارئ وجعله مهتم بمطالعة القصص واحدة تلو الأخري يحتاج إلى إجادة إختيار الكاتب لنصوص قصصه من السطر الأول ، في هذه المجموعة تقدم الكاتبة لعبة سردية جديدة كلياً - على الاقل بالنسبة لي فلم يسبق أن قرأت مثلها من قبل - إذ عمدت إلى جعل أبطال قصصها يشتركون معاً في أكثر من قصة وبأكثر من طريقة بشكل جديد دون أن تتحول منها المجموعة إلى متتالية قصصية محافظة على وحدة المجموعة والخيط الذي يربط بينهم ؛ من بدء اختيار العنوان والغلاف ونحن نشاهد شئ مختلف. شئ يكشف عن تجربة مختلفة لا تتشابه مع السائد حيث اختارت الكاتبة عنواناً غير تقليدي وغلاف غير تقليدي برزت فيه روح النص وما تحويه دفتي الكتاب دون أن تكشف النص أو تحرق أجزاء منه إذ عمدت إلى تقديم الحب بجموحه ونزقه وهشاشة النفس البشرية ؛ في مجموعة ( حب عنيف ) قدمت هدي عمران الحب بوصفه فعل مستحيل يبحث عنه أبطالها ويعيشون وسط تقلباته ما بين القسوة واللين وما بين الفقد والخسارة وما بين الألم والسعادة تارة أخري ، إذ عمدت إلى اختيار أبطالها وتقديمهم كبشر هامشيين يعيشون على حافة الحياة متخذين من لحظة الحب فعل مواجهة ضد الحياة بكل ما تحمله من قسوة ..فهل ينصفهم الحب ؟!.
تبدو حكايات الحب في تلك المجموعة قاسية موجعة وباعثة إلى التفكير في مفهوم الحب بوصفه طريق نجاة أو أداة مواجهة تتخذها الشخصيات كدرع واقي لكن الحياة تصر على أن تكسرهم وهو ما يبدو جلياً في نهايات القصص إذ لم تكون النهايات حالمة أو خارجة عن سياق الواقع كما الحال في بعض الكتابات الرومانسية المشابهة.
اختارت الكاتبة أن تكون اللغة غارقة في المجاز والتشبيهات ولربما كان الغرض أن تتناسب اللغة مع طبيعة النص والتيمة الرومانسية حيث الحب بقسوته وجموحه وخروجه عن المألوف ما جعل اللغة شاعرية أكثر من اللازم في بعض القصص وبعض المواضع ، غير أنها كانت ممتعة تكشف عن تملك الكاتبة من ناصية اللغة ومن مدي قدرتها على تطويع اللغة في خدمة نصها.
---------------
تقييم المجموعة القصصية:
فى الحقيقة اجد نفسي في حيرة عند تقييم هذه المجموعة القصصية. تارة اجد نفسي مندمج ومستمتع وتارة اخرى اتسائل ماذا تريد الكاتبة بالضبط !!.
قصص لم اجد لها مغزى ما وقصص اخرى اجد مضمون متميز واسقاط بديع. لهذا سأكتفي بالحديث عن القصص التي اعجبتني كالتالي:
( الموظف ) و ( مدام مروة )
قصة جميلة تحمل اسقاط سياسي رائع لما بعد ثورة يناير. فى الحقيقة قدمت الكاتبة مغزى مهم جداً هو ان لا شيء تغير على الإطلاق من خلال مؤسسة ما كانت سجناً فيما قبل الثورة. نشهد صراعات السلطة والسيطرة والشللية واللعب على جميع الحبال ولا مبدأ سوى المصلحة يحكم الجميع وما اشبه الليلة بالبارحة !.
فى رأيي الشخصي هذه أفضل قصة فى المجموعة.
( صداقات خطيرة )
قصة أخرى جيدة عن المتاجرة بالدين وصولاً للتحلل الكامل من كل القيود التى تحكم الانسان وبالتالي اطلاق العنان لشهواته وملذاته.
( نانا - نيللي - ماريو - علي وآخرون )
قصة جيدة جداً عن الحياة الافتراضية المزيفة التى نعيشها على الفضاء الآثيري والتى نقدم انفسنا فيها بالشكل الذي نحلم به لكن على أرض الواقع نجد اننا لا نستطيع التحرك خطوة واحدة لتحقيق هذا الشكل المفترض !.
( حب عنيف )
قصة متوسطة عن حب اللذة والمتعة والنشوة اللحظية كما يفعل ابطال القصة والذي يجعلهم في حالة مذبذبة طيلة الوقت.
في الختام هي تجربة قصصية جديدة بالنسبة لي من حيث اسلوب الكتابة المختلف عن السائد كما ذكرت في التقديم ولا شك في ان التغيير مطلوب لضرب حجر في المياه الأدبية الراكدة.