أحتاج لاستراحة محارب أعود بعدها لمواصلة متابعتي التي تلهث خلف تفاصيل ما يحدث في غزة.
إستراحتي لا أسمح لنفسي بأن تكون طويلة، بالتالي لن أتمكن من السفر الحقيقي على الأرض، لذلك قررت أن أسافر على الورق، واخترت السفر مع "نهى عودة" في كتابها الثالث من سلسلة "العشق والسفر"، حيث أن تجربتي مع قراءة الجزئين السابقين تطمئنني على أنني سوف أستمتع وأستفيد.
وإذا كان الكتاب الأول لـ "نهى عودة" في السلسلة "رفيقا الطريق" قد تميز بطزاجة المرة الأولى، ونضارة القطفة الأولى، وحيوية السير على طريق جديد، إزداد بهاء بسبب حسن صحبة الرفيق.
ثم الكتاب الثاني في السلسلة "رسائل البحر" تبدو حركة حروفها فيه مثل سلاسة حركة أنامل امرأة قد إعتادت غزل الصوف.
فإن الكتاب الثالث "بلورة الأمنيات" هو الأعمق والأكثر نضجا. فهي تواصل تقديم المعلومة مغزولة بالذكريات وموصولة بالمشاهدات، ومصقولة بجماليات اللغة وسلاسة السرد وانسيابية الحكايات.
وتواصل عمل ضفائر من الكتابة تستوعب أدب الرحلات، في صحبة السيرة الذاتية، وبالمشاركة مع المعلومات التاريخية.
لكنها في هذا الكتاب قد أضافت لهذه الضفائر شرائط ملونة زادتها جاذبية ورقة وانسيابية.
من الشرائط الملونة الزاهية قولها: "الإيمان بالأمنيات هو السبيل لتحقيقها".
أما الشرائط ذات الألوان المتلألئة، فهي تلك الشرائط التي تضم الجدائل التي تطل منها مصر عبر ذاكرتها بسبب مشهدا في باريس يذكرها بمشهد أو موقف في مصر.
كذلك مشاهد الإبن ومفارقات تصرفاته هي كشرائط ألوانها ساخنة، حيث تجعل الكثيرون منا يتذكرون مواقف مشابهة لأبنائنا معنا خلال السفر.
أما الشرائط باللونين الأبيض والأسود رمز الكوفية الفلسطينية. فتظهر منذ الصفحة الأولى حيث يتضمن الإهداء ذكر شهداء غزة، وكأنها تشير منذ اللحظة الأولى إلى أنه حتى عندما يدور الحديث عن "باريس" فإن غزة الحبيبة هي التي في القلب.
ثم تتكرر شرائط الأبيض والأسود لوني الكوفية الفلسطينية من جديد حين نقرأ كلماتها العميقة حول اصطدامها بحقائق مفجعة عن الطريقة الخبيثة التي سعى بها الصهاينة لتثبيت احتلالهم الغاصب وروايتهم التاريخية الملفقة ونشرها عالميًا، وإتقان دور الضحية التي لا يمكن تقييدها بخطوط حمراء حال الدفاع عن نفسها كونها الأمة المضـطهـدة، المستضعفة، المنبوذة، المطاردة، المعذبة في محـاكـم التفتيـش الأوروبية، المحروقة في معسكرات الاعتقال النازية، المكروهة من جيرانها من الشعوب العربية".
ومع الحديث عن الأزياء وباريس عاصمة الموضة لا يفوتها أن تتحدث عن إرتداء المتضامنين مع فلسطين شعار البطيخ باعتباره يتضمن ألوان العلم الفلسطيني.
كما تتكرر شرائط الأبيض والأسود حينما تتحدث عن بلدة "قانا" عروس الجليل، فيسبق كلامها قولها أنها دائما وأبدا تنحاز لفلسطين".
فأقول مثلها: وأنا أشاركك الإنحياز.
أما مع الوصول إلى خاتمة الكتاب تطل أجمل أشكال الشرائط الملونة حيث نقرأ قولها المتفائل الجميل بأن الأحلام كلها ممكنة حتى وإن بدت مستحيلة.
ونقرأ تأكيدها على أهمية الإيمان بقدرة الخيال على تحدي الواقع.
وصولا إلى أحلى أمنية وهي قولها: أتمنى أن أظل قادرة على الحلم.
فأقول مثلها: وأنا أشاركك الأمنية.