تحت أقدام الأمهات > مراجعات رواية تحت أقدام الأمهات > مراجعة إبراهيم عادل

تحت أقدام الأمهات - بثينة العيسى
تحميل الكتاب

تحت أقدام الأمهات

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

ترسم "بثينة" بكلماتها عالمها كله، وتدور تداخل نفسيات شخصياتها وتعرض حالاتهم كما هي بلا إضافة ولا تعليق، لا يوجد ما هو راوٍ خارجي! ... الأبطال الحقيقيون، وفقط المنهزمون تمامًا (في هذه الرواية) هم الذين ينطقون ويتكلمون ويفصحون عن مخاوفهم وكبتهم وقهرهم بالحكي وبالكتابة ...

أبطال المجتمع، أو الذين يراهم المجتمع أبطلاً، مبرَّزين فيه، يمارسون كل القوى والسيطرة وفرض الوصاية، يتحكمون في مصائر الناس، ويرون ما يصلح ومالا يصلح! لتكون النتيجة أن يموتوا تمامًا، يصابون بالخرس اختيارًا، وتتحرك الدنيا كلها من تحت أقدامهم!

ما يفرض بالقوة والسيطرة والبطش، ينتزع ببساطة بالانهيار!

رغم كل القيود والسدود يمكن لخيطٍ متين من التربية المتقنة وتكريس العمل عليها يومًا بعد يوم أن تنجو من براثن الحصار، وأن تفرض لنفسها عالمها الخاص، مختلفًا عن ذلك الذي جٌبلت وتربت عليه، بإمكان الإرادة الحرة أن تنطلق من عقالها، وتؤكد وجودها وذاتها خارج الأسوار..

من غير الإغراق في خطابية زاعقة، وعبر محاولة جادة لرسم نفسيات وشخصيات عالمها النسوي الفريد، تجنح "بثينة العيسى" في النهاية إلى انتصار التمرد الهادئ والثورة الناعمة! (إن شئنا) ...

يبدأ الحب صغيرًا، وينمو متأثرًا بعوامل عديدة، ولكن العقل يتدخل ويتحكم، وينجح في فرض سطوته على كل العادات البالية والتقاليد العائلية غير المبررة.. لأول مرة ينجح الحب رغم فيضان العاطفة، وتتغلب المرأة العاشقة على مشاعرها لتصنع لنفسها عالمها الذي تريد وتحلم به!

تضع "بثينة" أمامنا النماذج كلها، كما هي في الحياة، كما نراها كل يوم، لتعرَّف المجتمع والعالم بأسره أن المرأة ليست نمطًا واحدًا، ولا نمطًا سائدًا، المرأة والرجل أيضًا ..

فقط على لسان موضي ..تقول بثينة :

(( ما حدث هو أنني تقت لنصي الخالص، إلى عالم روائي أخلقه أنا، أقطر فيه دمي، ألوثه بأفكاري، أنشر في هوائه برادة عظامي، كنت أنتظر أن يهطل عليَّ ذلك النص الذي أكون سيد لحظته، ولم يعد بوسعي أن أمنحها ما تريد، إشراقة الوجه، وموجة التصفيق، وجملة الآمال العريضة المثبَّتة على كتفيّ بالمسامير والخطاطيف.. لو أنها تفهم فقط بأن هذا الخرس الكتابي هو أول ململحٍ من ملامح حقيقتي ككاتبة، لما قتلتني إلحاحًا وأشعرتني بلا جدواي!))

نجحت الآمال العريضة في النهاية، ونجحت موضي وأمها في أن تخرجان من براثن الجدة المتسلطة الحاكمة، وإن لم يأتِ ذلك بشكل مباشر وإنما بإشارة دالة وعابرة

. لم تخذلني "بثينة" في روايتها الرابعة، وإنما تمسكت بمكانها ومكانتها عندي أكثر، بنفس اللغة الشاعرية ولكن بدخول أكثر في أعماق شخصياتها، وبتعمق واضح في عالمها، وكم كانت بهية وهي ترسم لكل واحدةٍ منهن "بورتريها" خاصًا، وكم كان رسم مشهد "رقية" وحالتها النفسية خاصًا وفريدًا نظرًا لموقعها "الأدنى" داخل تراتبية تلك العائلة شديدة الصرامة! ..

قد يأخذ البعض على "بثينة" هنا صورة الرجل الشرقي، التي لم تخرج عن التنميط، فهو إما غائب تامًا (بالموت أو بغيره) وإما حاضرًا غائبًا غير فعال ولا مؤثر في أسرته، مما يدفعه بعد ذلك للغياب التام، ولكنها في "تحت أقدام الأمهات" عرضت لرجلٍ مختلف، هو بطلها هنا الذي صنع على أيدي الأمهات! هي إدانة أخرى لذلك النمط من التربية الذي إما أن يدلل حتى التخنيث أو يتشدد حتى الإرهاب!

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق