في مدينتهم ينسجون الكثير من الأساطير حول بيت «الكرملاوي».. يقولون إنه ملعون منبوذ بعزلته على أطراف المدينة.. يقولون إن تعويذة ما أُلقيت في البئر القديمة المقابلة له يكفي أثرها ليكون كل نسله من الذكور غير أسوياء. يقولون إن جدرانه تعزل صوت الضحكات لكنها لا تعزل صوت الأنين والصرخات. يقولون إن زجاج نوافذه غير قابل للكسر لكنه يحتفظ بخدوشه كمسخ مشوَّه. يقولون إن الزهور لا تبقى في حديقته أبدًا. تذبل على أغصانها من أول يوم. ويقولون إن أشجاره وارفة الظل خادعة المظهر.. فلا يكاد يستظل بها عاشق إلا تجردت فوقه من أوراقها لتلقيه فريسةً لحُرقة الشمس.. كأنه في شريعة البيت جريمة أن تظلل أشجاره عاشقين! ❝
بيت الكرملاوي أم لعنة بيت الكرملاوي ؟
أربع نساء "زهرات" كن أسيرات ظلم بيت الكرملاوي وذكوره مهما ابتعدن.. "أرجوان".. "تيوليب".. "بانسيه".. "صابرينه"..
أرجوان التي وقعت أسيرة لحبها ولحب كل ماافتقدته وكل ما عُيرت به في طفولتها.. افتقدت الأب الذي هجرها في صغرها فوجدته في آدم.. افتقدت الآمان والحماية ف بحثت عنه في آدم ورضيت بما وجدت حتى لو كان أماناً زائفاً.. أصبحت أسيرة لكل ما تمنته يوما.. حتى بقت في شباك حُب مشوه ومريض لا يورى بل يشقي ولا يحمي بل يؤذي..
أما "صابرينه" ف أرغمها قدرها على ان تصارع دوما نقطة الضوء بداخلها.. كل ما تمنته بيت وعائلة ولكن مع بساطة الأمنية لا يبدو الأمر بهذة السهولة.. شخصية كانت زي الأفعي والزهرة تجمع بين الخبث والرقة معرفش ازاي 😁 لأخر صفحة في الرواية لم أقدر على تحديد مشاعري اتجاهها.. كانت انعكاس لقسوة المجتمع و "نظرة الناس" وإلى أي مدي يمكن أن يشوه ذلك حياة "إنسانة"
❞ هل كنت شيطانة؟! هل كنت ملاكًا؟! لا تسأل فليس عندي الجواب.. عندما يكون الشوك آخر ما بقي من الزهر.. فلا تسأل عن العطر. ❝
شخصية "بانسيه" كان بتمثل في نظري الحب والجرح.. شخصية عاشت تتمني أهلها يحبوها او على الأقل يظهروا أي بادرة اهتمام اتجاهها خصوصا أبوها وأخوها "نعمان" ولكن.. لأنها "أنثى" والأنثى في بيت الكرملاوي تعامل كشيء لا أكثر أيا كانت زوجة أو ابنة أو أخت.. بانسيه ظلت تشفق على نفسها وعلى نساء عيلة الكرملاى ف هم متقاربين في تعرضهن للظلم.. لم تعد تأمل منهم اهتماما لذلك اختارت ان تصمت بإرادتها ف ما الذي يفيده الكلام وليس هناك من يصغي!
❞ أرجوان! كم تشفق عليها! كم تشبهها كأسيرة لظلم هذا البيت…
لكن.. هل هي أرجوان فقط من تشفق عليها؟! صابرينة كذلك! بل وتيوليب! كلهن زهور لم يبقَ منها سوى الشوك ويلومونها على شح العبق! ❝
أما "تيوليب" كانت أبسط شخصية في رأيي ولكن تعرضت للظلم في كل مرة حتى صارت صنيعة بيت الكرملاوي.. تشبهه..
كانت ذكية وطموحة وجميلة ولكن الفقر والخذلان المكترر حرماها من كل شيء تقريبا.. كانت تحب المال "نعم" لكن تلك لم تكن خطيئتها.. كانت خطيئتها أنها ظنت أنها يمكن أن تُحب وان تجد الآمان. أن يكف الناس عن النظر إليها من نافذة "فقيرة" "محبة للمال" فقط.. أنه يمكن لها ان تأمل وأن تثق وتخفض دروع دفاعاتها.
أربع نساء هزمتهمن ظروف نشأة قاسية وأحكام مجتمع قاسى غارق في الازدواجية.. مجتمع كل ما يفقهه إصدار أحكام من علوٍ وهو يرى أن هؤلاء لا يستحققن العيش بكرامة ولا يستحققن ان يكون لهن أمنيات وأحلام.. مجمتع غبي..
الشخصية الأحب لقلبي كانت "الست راوية" كانت بمثابة الدفء والحنان الذي تحتاجه بالظبط هؤلاء النساء .. حكيمة وجميلة وحانية ومُراعية وأم قبل كل شيء.. وجاءت شخصية ابنها "غيث" امتدادا لها في رأيي.. نسخة رجالية من "الست راوية" بكل مميزاتها..
وطبعا شخصية "صفوان".. مش لأنه كان بمثابة طوق نجاة ل" أرجوان".. ولكن هو كان بمثابة نموذج الرجل الذي استمع لصوت ضميره ورفض الاصغاء لأحكام المجتمع الجائرة التي صدرت بدون محكمة فقط لأن المحكوم عليه " امرأة".. وخزات ضميره وتأرجحه بين الصواب والخطأ وبحثه عن الحقيقة الخالصة وكونه ليس النمط المعتاد من الذكور في ذلك المجمتع.. هذا ما كان محبب في هذة الشخصية.
اللي فات ده كووووم واللي جاي ده كوووووم تاني خالص 😂
"نعمان".. لأخر لحظة انا متخبطة مابين كرهه وما بين الشفقة عليه.. هو للأسف اتربى على انه الاحسن مهما عمل ومهما غلط ومهما فشل.. اتربى على إنه أي أخطاء هو غير مسؤول عنها بل دوما الآخرين ومن حوله هم السبب.. اتربى على انه الرجل لا يظهر مشاعره لا يلين ولا يبكي.. اتربى علي ان الرجل يكون مجرد آلة للجلد والقسوة حتى لو كان هو في داخله عكس ذلك.. تتصارع داخله الفطرة السليمة وما تربى عليه (زي نماذج كتير في مجتمعنا اللذيذ🙄).. نعمان كان عنده دايما سلطة انه يختار الفعل الصحيح.. يكسر حلقة الظلم والقسوة ولكن كل مرة كانت بيغلب الطبع والتربة والتربية اللي نشأ فيها ..
❞ كان دائمًا هو السيد لأنه الذكر.. كل أفعاله مبررة منطقية حتى قسوته كانت تستدعي الفخر لأنها تعني القوامة.. ❝
❞ هم علموني أن أرتب الأمور جميعها بحيث أكون دومًا في المقدمة. أنا السيد فقط لأنني الذكر. كل النساء في عُرف عائلة الكرملاوي لسن سوى أدوات لرسم لوحة الذكور. وعندما تتوهج اللوحة بالألوان نحصد نحن الفخر ويحصدن هن بقع ❝
وطبعا أب بهذة الشخصية النرجسية هايجيب إيه ويربي إيه غير شخصية نرجسية زيه.. "آدم"
شخصية تفوقت في النرجسية لم اتعاطف معها بالمرة.. اللهم الا وهو طفل فقط.. شخصية مريضة لأبعد حد..
كطفل كان مفتقد الحنان ومفتقد لأمه.. كان بيتسول الحنان من أبوه ولكن "نعمان" كالصخر لا يظهر اي مشاعر حتى لو كانت اتجاه وحيده..
وطبعا كبر الطفل وبقى "مريض أد الدنيا" 😁
مهما غلط ف ده مش غلطه..
مهما حصل مش مسؤوليته..
مهما ارتكب من ظلم ومن أفعال لازم يحاسب عليها مهما كانت كبيرة فهو بردو لا يستحق العقاب..
في عيون "نعمان" ابنه كان زي الفل 😁 ولا مريض ولا نرجسي ولا شخصية مؤذية بتدمر كل اللي حواليا حتى نفسه وأبوه.. لاء.. غطرسة نعمان منعته من إنه يحب ابنه او بمعنى اصح يظهر حبه لابنه ويربيه تربيه سوية.
ف كبر "آدم" يبحث عن صورة حنان الأم المفقود التي أسقطها على "أرجوان".. حب فيها صورة أمه وشبهها بها.. اسقط عليها كل ما تمنى ان يجده وهو طفل من أمه.. حتى صارت مثل عصفور يغرد في قفص ذهبي.. كان حب امتلاك وحب مرضي..
لم ينجح آدم في انشاء علاقة واحدة سوية.. أبدا..
يخربيته كان مجنون 😂
الرواية جميلة ولغتها جميلة.. تشوقك وتخطف أنفاسك لآخر لحظة.. بها الكثير من الألم والقليل الذي يروي من الحب..
رواية تنبهك لأهمية مرحلة الطفولة لو المرحلة دي اتأذت او اتدمرت باي شكل من الأشكال في الغالب هايكون الناتج شخصيات مشهوهة بألم الفقد والحرمان والاحتياج والشره العاطفي..
رواية تحدث المجمتع.. ان يخفض من سطوة أحكامه المسبقة.. ينبهه لما يمكن ان تصنعه كلمة واحدة في حياة بشر بأكملها.. لأهمية ان يكون المجتمع هو الراعي وليس الجاني.
جميلة وممتعة وتستحق ✨