جدارية > مراجعات كتاب جدارية > مراجعة Aya Khairy

جدارية - محمود درويش
تحميل الكتاب

جدارية

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

❞ وللكلمات وَهْيَ بعيدةٌ أَرضٌ تُجاوِرُ ‫ كوكباً أَعلى

وللكلمات وَهْيَ قريبةٌ ‫منفى

ولا يكفي الكتابُ لكي أَقول:

وجدتُ نفسي حاضراً مِلْءَ الغياب

وكُلَّما فَتَّشْتُ عن نفسي وجدتُ ‫الآخرين

وكُلَّما فَتَّشْتُ عَنْهُمْ لم

أَجد فيهم سوى نفسي الغريبة ❝

وحدها الكلمات ولا شئ سوى الكلمات، في تلك الجدارية نجد ما يشبه الاستعراض الاعتزالي في النزع النهائي، النفس المُدّخر للرمَق الأخير، عندما تُنهَك كل القوى الجسدية ولا تبقى سوى قوة الحروف، عندما ينفذ كل المدد الصحي ولا يظل سوى مدد رُقيّ الكلمة الخالد.. الصادق، فهل من قارئ لما نكتبه ونقوله في النزع الأخير؟ هل من مُدرِك ذو عقل وقلب لقيمة تلك الحروف؟ آه منك يا درويش..

❞ مَنْ أَنا؟‫ أَنشيدُ الأناشيد

‫ أم حِكْمَةُ الجامعةْ؟‫ وكلانا أَنا..

‫ وأَنا شَاعرٌ.. ومَلِكْ

‫ وحكيمٌ على حافّة البئرِ

‫ لا غيمةٌ في يدي

‫ ولا أَحَدَ عَشَرَ كوكباً على معبَدي

ضاق بي جَسَدي

‫ ضاق بي أَبدي.. وغَدِي

‫ جالسٌ مثل تاج الغبار‫ِ على مقعدي ❝

على عكس الدواوين السابقة التي قرأتها لمحمود درويش، جاءت جدارية غير موزونة الشطور في أغلب المواضع، كما لم تكن هناك قصائد مُقَسّمة كل منها مستقلة بذاتها، بل قصيدة واحدة شغلت الكتاب كله، أو لعلها ليست قصيدة، جدارية.. خطاب.. خاطرة طويلة.. شعر على هيئة نثر.. أو نثر في ثوب الشعر، لا أعلم تحديداً، كل ما أنا متأكدة منه أنها لابد أن تُقرَأ وتُستَشعَر دون أي حسابات لطريقة الكتابة أو الألوان الأدبية.

❞ أَنتِ حقيقتي، وأَنا سؤالُكِ

‫ لم نَرِثْ شيئاً سوى ٱسْميْنَا

‫ وأَنتِ حديقتي، وأَنا ظلالُكِ

‫ عند مفترق النشيد الملحميِّ ❝

خَطّ درويش جدارية مأهولة بأشباح الموت والغياب من الدرجة الأولى، موته هو وغيابه ورحيله الأبدي عن دنيا الأحياء، مرضٌ يُفضي إلى موت يَسمع عنه كل ساعة من كل ممن حوله كشئ اعتيادي، أطباء وتمريض وأقارب يستعدون لما هو آت، وهَن وأجهزة وأدوية وتيه.. تيه لا نهائي وتفكير في كل ما مضى، وفي الأيام أو الساعات أو الدقائق المتبقية، وفيما أودَى به لتلك الحال، بمنتهى القسوة والبراعة غاص في كل ما تحويه هذي المرحلة من تفاصيل دقيقة مشاعرية ومادية ومعنوية وإنسانية وفلسفية كذلك، جدارية بالغة الحزن، منقوشة بل ومحفورة على جدار الزمان والمكان، معزوفة على أوتار الفناء والفُقدان.

❞ يا موت! يا ظلِّي الذي‫ سيقودُني

يا ثالثَ الاثنين، يا لَوْنَ التردُّد في الزُمُرُّد والزَّبَرْجَدِ

‫يا دَمَ الطاووس، يا قَنَّاصَ قلب الذئب، يا مَرَض الخيال!

اجلسْ على الكرسيّ! ضَعْ أَدواتِ صيدكَ‫ تحت نافذتي

وعلِّقْ فوق باب البيت سلسلةَ المفاتيح الثقيلةَ!

لا تُحَدِّقْ‫ يا قويُّ إلى شراييني لترصُدَ نُقْطَةَ الضعف الأَخيرةَ

أَنتَ أَقوى من‫ نظام الطبّ.. أَقوى من جهاز‫ تَنَفُّسي

أَقوى من العَسَلِ القويّ،‫ ولَسْتَ محتاجاً - لتقتلني - إلى مَرَضي!❝

لا أعلم أي سوء حظ رمى بهذا الكتاب في طريقي الآن، في هذا التوقيت بالتحديد، أهو الرابط الخفي الذي يصلني بكتابات شاعر المقاومة ويجعل كل عمل له أقرأه في توقيت يصادف أنه قد يُحيِي.. ولكنه في أغلب الوقت يقتل ويميت؟ أهذا الرابط الذي يجعله في كل مرة يشير بفقرة معينة أو اقتباس، أو قصيدة بعينها، أو بالكتاب كله، إلى جرح أو جروح دامية متقرّحة وينثر عليها الملح؟ بل ويطعن في عُمق أعماق القلب الكسير؟

❞ مَلَلْتَني، يا صاحبي، وخَذَلْتَني

ما نفْعُ حكمتنا

‫بدون فُتُوّةٍ ما نفعُ حكمتنا؟

على باب المتاهِ ‫خذلتني

‫يا صاحبي، فقتلتَني، وعليَّ وحدي

‫أَن أرى، وحدي، مصائرنا

ووحدي أحمل الدنيا على كتفي! ❝

❞ لا قاتل يُصغِي إلى قتلَى

  ولا يتلو وصيّته شهيد

  من أَيِّ ريح جئتِ؟

‫  قولي ما ٱسمُ جُرْحِكِ أَعرفِ

‫ الطُرُقَ التي سنضيع فيها مَرّتيْنِ!

‫ وكُلُّ نَبْضٍ فيكِ يُوجِعُني، ويُرْجِعُني

‫ إلى زَمَنٍ خرافيّ.. ويوجعني دمي

‫ والملحُ يوجعني.. ويوجعني الوريدُ ❝

لماذا تُطلق سهام كلماتك لتخترق قلبي وروحي يا شاعراً - يشبُهني- رأى من الدنيا ما رأى وظل على كرامته وكبريائه يقاوم؟ لماذا في كل مرة ترمي بأقصى غياهب الغربة، وبأعتى مراحل التوحد والتماهي في آن واحد بين قصائدك؟ هل نحن في سباق من المآسي وفي مبارزة من التذكير بالآلام؟ هل أنت تعرفني؟

❞ أنا الأولى.. أَنا الأُخرى

‫ وحدِّي زاد عن حدِّي

‫ وبَعدي تركُضُ الغِزلانُ في الكلمات

‫ لا قبلي.. ولا بعدي

‫ سأحلُمُ، لا لأُصْلِحَ مركباتِ الريحِ

أَو عَطَباً أَصابَ الروحَ

‫ فالأسطورةُ اتَّخَذَتْ مكانَتَها المكيدةَ

في سياق الواقعي

وليس في وُسْعِ القصيدة

‫أَن تُغَيِّرَ ماضياً يمضي ولا يمضي ❝

هل أنا أعرفك؟ نعم، والله إني أعرفك رغم ما فصَلنا من عمر وزمان ومكان، أعرفك روحاً وقلباً وإن لم أعرفك شخصاً، أعرفك وأعرف أن جزء من روحي متصل بكلماتك، وشَطر من واقعي قابع بين أبياتك، وفي كل قراءة لك يتأكد لي ذلك، أهي أرض الأصل الحبيبة التي تعود إليها جذوري أنا أيضاً؟ هل ربما - دون أن أعلم - نبتت جذوري إلى جانب جذورك؟ هل انحدرنا من سلالة أو قبيلة واحدة؟ هل تشاركنا الجينات؟ لا أدري، حقاً لا أدري ولا أريد أن أدري، كفاني أنك - بشكلٍ ما - أنا، وأنني أنت.

الخاتمة بالفقرة المُفضلة من الكتاب.. والقريبة لقلبي من قبل قراءتي له، أكثر ما لمسني شخصياً في الجدارية من كلمات:

❞ وهذا الاسمُ لي..

‫ ولأصدقائي، أينما كانوا، ولي

‫ جَسَدي المُؤَقَّتُ، حاضراً أم غائباً

‫ مِتْرانِ من هذا التراب سيكفيان الآن

‫ لي مِتْرٌ و٧٥ سنتمتراً..

‫ والباقي لِزَهْرٍ فَوْضَويّ اللونِ

يشربني على مَهَلٍ، ولي

‫ ما كان لي: أَمسي، وما سيكون لي

غَدِيَ البعيدُ، وعودة الروح الشريدِ

‫ كأنَّ شيئاً لم يَكُنْ.. وكأنَّ شيئاً لم يكن

‫ جرحٌ طفيف في ذراع الحاضر العَبَثيِّ..

والتاريخُ يسخر من ضحاياهُ ومن أَبطالِهِ..

‫ يُلْقي عليهمْ نظرةً ويمرُّ..

‫ هذا البحرُ لي..‫ هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي

‫ واسمي -‫ وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت - لي.

‫ أَما أَنا - وقد امتلأتُ بكُلِّ أَسباب الرحيل - فلستُ لي.

‫ أَنا لَستُ لي! ❝

تم - 27 مارس 2024

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق