◾اسم الرواية : في ملء الزمان

◾اسم الكاتبة : مروه عطيه

◾نوع الرواية : دراما نفسية فلسفية

◾اصدار عن دار ابهار للنشر والتوزيع

◾عدد الصفحات : ٣٨٠ صفحة على أبجد

◾التقييم : ⭐⭐⭐

ماذا تفعل حينما تفقد شغفك تجاه أحب الأشياء لقلبك؟! كيف تخرج من دائرة الفتور والركود التي تصيب حياتك؟! ماهو إلهامك ومحفزك الأساسي في هذه الحياة؟!

تبدأ أحداث الرواية مع كاتب شهير وعلم من أعلام الأدب في عصره، هذا الكاتب الذي بيعت آلاف النسخ من اعماله، وتلونت الكثير من الأعمال على الشاشة اسمه ذائع الصيت، ولكن... بعد سنوات طويلة من العطاء يُفاجأ أن نهر إبداعه قد نضب وأن قلمه قد أعرض عنه وبات ثقيلاً بين يديه، وأفكاره باتت منقوصة يصعب عليه مجرد اخراجها على الورق، ماذا حدث له!! كيف وهو هذا الكاتب الكبير صاحب التاريخ الحافل يصعب عليه مجرد إيجاد فكرة تصلح نواة لرواية طويلة او حتى بعض الأفكار لتكون أساساً لمجموعة قصصية!!

طالت الخصومة بينه وبين الإبداع وباتت الجلسات الثقافية والندوات ثقيلة على قلبه؛ ففيها يطاره السؤال الذي لم يجد له إجابة بعد.. "متى عملك القادم؟! عمَّا يتحدث؟!" وهو بالفعل لا يعلم ولا يعرف وهذا ما يؤرِّقه.

لتطأ قدميه ذات يوم الشبكة العنكبوتية، هناك في الأعماق حيث مكامن الشغف ومنبِّهاته، ليبدأ الأمر بمجرد تنازل ضئيل او خطوة واحدة ثقيلة لتتوالى من بعدها الخطوات والذلَّات التي لا رجعة منها.

ومن ناحية أخرى هناك (رويدا) هذه الفتاة صغيرة السن قليلة التجربة التي تحولت في ليلة وضحاها إلى كاتبة او بالأصح شاعرة تُباع نسخها ويزيد رقم طبعاتها يوماً بعد يوم وهي أبعد ما تكون عن الإبداع، الفكرة تكمن في ديوان شعري ركيك وناشر يعرف كيف يمسك بخيوط دُميته ومتى تحديداً يتلاعب بها، لتبدأ اللعبة بديوان أول فندوة فإثارة جدل فآراء شائكة فرواية جديدة فميلاد كاتبة شابة!!

تسلسل سريع وايقاع أسرع لحياة كاتبة تحمل الاغلفة اسمها ويجهل القارئ ما تحويه هذه الاغلفة ولا يهتم كذلك.

لتظهر بعد ذلك الأديبة المثقفة والمفكرة الرائدة ذات الأفكار الجريئة والتصرفات كذلك، هذه التي تعلم جيداً ماذا تُقدِّم؟! وكيف تقدِّمه؟! بل ومتى أيضاً؟! هي صورة مجسدة ومرآة مُصمَّمة لتعرية الإنسان أمام روحه وكشف حقيقته أمام نفسه، ولكل شيء في هذه الحياة ثمن، فما هو الثمن الذي ستدفعه؟! وما الثمن الذي ستتلقاه ؟!

فما الرابط بين الأديب الكبير، والكاتبة غير الموهوبة والمفكرة الرائدة؟! كيف ستتلاقى خيوط هؤلاء الأشخاص المختلفين عن بعض كل الاختلاف؟!

◾رأيي في الرواية :

جذبني غلاف الرواية وعنوانها بشدة ومن الصفحات الأولى استطاعت ان تستحوذ على اهتمامي، فالكاتبة بدأت روايتها بالحديث عن شغف الإنسان وفقدانه وقد اختارت لذلك المجال الادبي والوسط الثقافي للتعبير عن فكرتها، فلا يوجد من هم أكثر حاجة إلى الشغف والإبداع سوى هذا المجال القائم عليهما من الأساس.. لتصوِّر حياة الكاتب بعدما يعرض عنه شغفه ويغيب عنه ابداعه بعد سنوات من الوِّد والتواصل، لتخرج بفكرتها الي ناحية أكثر عامية وشمولاً لابراز فقدان الشغف على حياة الإنسان والفتور الذي يصيبه ويصيب علاقاته وحياته نتيجة لذلك، وبحثه المستميت لما يوقظ سُبات هذا الشغف ويعيده سيرته الأولى.

لتدخل بعد ذلك الكاتبة لما خلف الكواليس، ولمناطق مُظلمة ومحظورة في الوسط الادبي؛ لتقتحمها هي بكل شجاعة واقدام موضحة حقيقة الكتاب انصاف الموهوبين ومعدومين الموهبة، وكيف يتم تشكيل ظاهرتهم التي باتت منتشرة مؤخراً وتنتشر كالنار في الهشيم، وذلك من خلال تقديم التجارة والمكاسب المادية على الموهبة والإبداع؛ ليصبحا تحصيل حاصل لا ركناً أساسياً في دائرة تقديم كاتب جديد، فكرة النجاح السريع والأفكار المسروقة أو المنهوبة واعداد الطبعات التي قد تصل لرقم لم يصل إليه أساتذة الأدب أنفسهم، ولا أحد يقرأ ولا ناقد يشرح، والدائرة تدور ولا رادع لها أو رقيب.

ومن ناحية أخرى ألقت الكاتبة الضوء على التوجه الديني في الوسط الأدبي وامتهان هذا الجانب ووجود كاتبين له وقارئين كذلك، وان كنت أرى من الكاتبة اجحافاً وظلم لهذا الجانب لم يخلُ من العنصرية.

لتخرج الكاتبة من دائرة الوسط الادبي لصورة عامية أكثر متحدثة عن رغبات الإنسان وشهواته حين تُسيطر عليه، عن جانب مظلم يسعى الإنسان جاهداً لاخفائه او اهماله، عن التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي ومشاركتها بالنسبة الأكبر في ظلام هذا الجانب الخفي الشائك.

رواية مميزة أرى فيها جُرأة وتعرية للكثير من الأفكار الفلسفية والإنسانية مما يجعلها غير صالحة القراءة لكل الفئات العمرية.

◾النهاية :

جاءت النهاية صادمة لتُزيل غموض أحداث الرواية وتضع الأفكار في نصابها الصحيح، نهاية قوية ومُعبِّرة وفي رأيي انها أقوى مشاهد الرواية.

◾الحبكة :

حبكة جيدة جداً محكمة التفاصيل ومسلسلة الأحداث.

◾الغلاف :

غلاف مميز جداً ويتماشى مع فكرة الرواية ومحتواها.

◾الأسلوب :

اعتمدت الكاتبة اسلوباً مميزاً قائماً على الوصف الدقيق للأحداث والحرص في نفس الوقت على هالة الغموض التي تحيط بها، فالرواية غير متوقعة الأحداث وكذلك الحدث الواحد نفسه غير متوقعة نتيجته، فأسلوب الكاتبة يأخذ القارئ للمكان الذي تهدف له الكاتبة لا الذي ذهب له ذهن القارئ وتوقعه، وكما حرصت الكاتبة على الوصف الدقيق للأحداث الهامة فإني أراها قد بالغت في وصف بعض الأحداث الثانوية والتي لا يترتب عليها نتيجة معينة في الرواية، كما أسهبت في الكثير من الأفكار دون داعٍ؛ وهذا ما أصابني بالتشتُّت أحياناً والملل أحياناً أخرى.

◾اللغة :

اعتمدت الكاتبة لغة عربية فصحى قوية على طول الرواية، وفي رأيي ان أقوى عناصر الرواية كانت لغتها الرصينة المُعبِّرة، لقد اعتمدت الكاتبة لغة بديعة تمتاز بتنوع العبارات والألفاظ واللجوء إلى الصور البيانية البليغة والقوية والتي تُشير إلى تمكُّن الكاتبة من أدواتها الإبداعية، وقد جاءت الرواية سردية من الدرجة الأولى بحيث أن الجُمل الحوارية قليلة جداً تكاد تكون منعدمة، وهذا ما لم يُرِق لي كثيراً، فقد كنت أرى أن الرواية تتطلب بعض الحوار لكسر رتابة السرد ولاضفاء نوع من التخيُّل على الأحداث.

◾الشخصيات :

امتازت شخصيات الرواية بمحدوديتها وقلة الأصوات بها، فإلى جانب ثلاث شخصيات رئيسية ظهرت شخصيات فرعية قليلة بصورة عارضة وسط الأحداث او داخل السرد، مما جعلها شخصيات غير مؤثرة الوجود سوى أنها تدور في فلك الثلاث شخصيات الأساسية، وقد نجحت الكاتبة في رسم الخطوط العريضة للثلاث شخصيات الأساسية بصورة بديعة من خلال الأحداث، وكذلك نجحت في الربط بينهم جيداً.

◾اقتباسات من الرواية :

📌"لكل إنسان صورتان وقناعان يختبئ خلفهما، ويستعمل كلاهما في مواقف مختلفة، لكنه أبدًا لا يظهر بدونهما، لا يظهر بوجهه العاري؛ فهذا أكبر من طاقة البشر مجتمعين.‏"

📌"الإنجازات الصغيرة تحتاج تشجيعًا هائلًا، أما من يقفون فوق منصة التتويج وعلى هاماتهم أكاليل الغار؛ فابتساماتٌ خالصة وهزة رأس فخورة تكفيهم وتشبع كل حواسهم."

📌"أكثر لحظة يحب فيها الإنسان الحياة هي اللحظة التي يصبح فيها على وشك مغادرتها، يدرك جمالها وشدة رغبته فيها في تلك اللحظة بالضبط، وهو يريد أن يعود؛ لينهي كل المشاريع المعلقة."

#في_ملء_الزمان #مروه_عطيه

#دار_ابهار_للنشر_والتوزيع

#مراجعات_هدير #قراءات_2024