ربع الرز > مراجعات رواية ربع الرز > مراجعة شريف مصطفى

ربع الرز - شيماء غنيم
تحميل الكتاب

ربع الرز

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

"ربع الرز.. قيود المجتمع ترفض براءة الضحايا"

في كل زمان ومكان لا يملك الفرد أن يعيش بذاته فقط؛ فهو يتأثر ويؤثر في كل من حوله، وحينما يصبح المجتمع قاسيًا، تظهر بذور هذه القسوة في شخصية الفرد، فتظل دفينة الحقد والكراهية، وحتمًا ستخرج عن الإطار وتتجاوز كل المشروع والمسموح.

هذا النص الروائي الفريد اهتم للغاية بالجماعة، لم يشغله الفرد كثيرًا؛ لأنه أظهر صورة الفرد في هيئة انعكاس حتمي لمجتمع له ضغوطه وقوانينه التي لا يهمها صد الظلم أو نشر الحق، وإنما هي قوانين متوارثة لا تفرق بين فرد وآخر، هي جماعة تعيش تحت وطأة أحكام ثابتة.

"ربع الرز" مكان لا أعرفه، ولم أزره، لم يشغلني وجوده بنفس الاسم على أرض الواقع؛ لأن هذا الربع شائع في كل مكان باختلاف الاسم، وبعض المظاهر الخارجية.

تتناول الرواية فترة من بدايات القرن العشرين في مصر، مع عرض مشاعر الذل ونتائجها السلبية أمام ظلم الإنجليز، وظهور مقاومة من نوع مختلف مقرها في الجسد، ليس بتقويته أو إعداده للمواجهة، وإنما ببيعه وإغراقه في وهم متعة زائفة غرضها مصلحة فورية أو إلهاء مستديم.

هل كان اللجوء إلى الجنس منقذًا؟ ربما خداع بعض العساكر بقضاء أوقات ممتعة قد يُنهي حياتهم ويحدّ من شرورهم في البلد، لكن ماذا لو تفشت هذه الخدعة وما يوازيها من أفكار وحيل تجاه أهل الربع وشخوصهم الماكرة؟

في هذا النص رأيت شخصيات أمامي رأي العين، شخصيات هذه الرواية حية لدرجة مخيفة، رغم بعد الزمان والمكان إلا أن القارئ يشعر بقرب الشخصيات منه بشكل كبير، حكايات جمعت بين نساء مختلفات الطباع، منهن كانت "زُهرة" التي لا تعرف كيف تحافظ على علاقتها مع "سالم"، و "نرجس" التي أعتبرها أقوى شخصيات الرواية تأثيرًا وأفضلها، امرأة اتخذت الجنس عملًا وسلعةً ومتعةً وأذى، ومعظم أحداث الرواية ارتبطت بها، وكذلك نتعرف على "ستيتة" التي نراها تتعرض لنكبة قوية نعرف عواقبها مع باقي الشخصيات.

إذا تكلمنا عن ربع، ونساء ترتدي برقع، وبيوت بسيطة، نتخيل لغة مختلفة عما نحياه اليوم في زمن آخر، وبالفعل لغة النص مناسبة أكثر منها بديعة، إذا تم التعبير بكلمات فصيحة لصار النص شبيهًا بكثير من نصوص أخرى، وفقد هويته المستقلة، فجاءت اللغة مناسبة، والحوار معبرًا عن الشخصيات والمكان والزمان، فمنح دخول لعالم آخر والتعمق في كل تفاصيله، ربما نال الحوار مساحة كبيرة كان من الممكن تعويضها بالسرد، لكن هذا لم يمنع توازي دور السرد والحوار في نهج الرواية باقتدار وحرفية.

بتشابك الأحداث مع الشخصيات يواجه أي روائي صعوبات كثيرة في تطوير بناء الرواية، لكن مع هذا النص تتنقل الأحداث بكل سلاسة، لا تفقد قوتها ولا تؤدي إلى أي تشتيت للقارئ مع انتقالها بين أكثر من زمن والبحث وراء خلفية الشخصيات، وتتضاعف التساؤلات بين من الجاني ومن الضحية.

عشت في هذا الربع مشاعر قوية، عنيفة، صادقة، صادمة، وربما بسبب هذه المعايشة هيأت وجداني لنهاية أقوى أكثر عمقًا وتأثيرًا تترك لي سلام مؤقت مع حكايات يتناساها البشر، لكن هذا لم يمنع أني كنت مستمتعًا متيّمًا بأبعاد ورؤى هذا النص.

إنه عمل أدبي من طراز رفيع، لا يعرف أي حيادية خادعة، فهو صادق وصادم، ومعبر، وتساؤلاته حاضرة ومتجددة، بالفعل هو عالم حي يأسر كل عشاق الأدب، ومهما أذاقهم من صدق القسوة لا يحرمهم من متعة الجمال.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق