يوميات طائر الزنبرك 3 > مراجعات رواية يوميات طائر الزنبرك 3 > مراجعة Mohammed Makram

يوميات طائر الزنبرك 3 - هاروكي موراكامي, أحمد حسن المعيني
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

منذ المشهد الأول للقصة قلت أن كوميكو في حياتها رجل أخر. ذلك الصمت المريب و الحديث المقتضب و التأخر في العمل بحجج مختلفة و حرصها على إبقاء أوكادا في المنزل. لم يتبين صدق هذا الحدس إلا في الجزء الثاني عندما أكد أخوها أن تركها للمنزل كان بسبب عشيق.

قلت لك. بعد ما أجهضت قبل ثلاث سنوات. إن ثمة ما أود اخبارك به. أتذكر؟ ربما كان ينبغي لي إخبارك. ربما كان ينبغي لي إخبارك بكل ما كان في قلبي قبل أن تؤول الأمور إلى هذا. ربما ما كان هذا ليحث أبدا إذا أخبرتك. لكن الأن و قد حدث حتى الأن لا أعتقد أن بمستطاعي إخبارك بما كنت أشعر به عندئذ. لأن ما يبدو لي هو أنني حالما أعبر عما بداخلي بالكلمات سوف يسوء الوضع أكثر مما هو سيء الأن. و لذلك شعرت أنه من الأفضل أن أتجرع المرارة وحدي و أختفي.

تلك الفقرة ذكرتني بمقولة عادل إمام: ماذا أقول و أي شيء يقال بعد كل ما قد قيل. إلا أن هذا الشيء الذي تتمحور حوله القصة و التي لم تستطع كوميكو قوله قد بقي غامضا حتى النهاية.

و اتضح لي أن قصصها أطول و أكثر تعقيدا مني بكثير. و عكسي أيضا. لم تكن تتبع نظاما في قصصها. بل تقفز من موضوع إلى أخر وفقا لما تمليه مشاعرها. و دون أي تفسير. تعكس التسلسل الزمني. أو تُدخل فجأة شخصية رئيسية لم تذكرها من قبل. و حتى أعرف فترة حياتها التي ينتمي إليها الجزء من القصة الذي تسرده. علي أن أستنتج استنتاجات حذرة. رغم أن الاستنتاجات مهما بلغت من دقتها لا تصلح في بعض الحالات.

يا عم موراكامي أقسم بالله انت لو بتوصف قصصك مش هتلاقي وصف أدق من كده هلكتنا يا راجل.

أحيانا أشعر بخوف شديد. أخشى أن أستيقظ في منتصف الليل وحيدة تماما. على بعد مئات الأميال من أي إنسان. في ظلام حالك. و ليست لدي أدنى فكرة عما سوف يحدث لي في المستقبل. أشعر بخوف شديد بحيث أرغب في الصراخ. أيحدث هذا معك يا طائر الزنبرك؟ عندما تنتابني هذه الحالة أحاول تذكير نفسي أنني متصلة بآخرين. بأشياء أخرى و أناس آخرين. و أجاهد لأستحضر قائمة بأسمائهم في ذهني.

القصة بها العديد من المشاعر المتباينة و الأحاسيس التي نخبئها حتى من أنفسنا. شعور الوحدة و شعور الإغتراب هما شعوران متلازمان يظهرهما موراكامي هنا بعدة صور في أغلب الشخصيات.

لن يكون بمستطاعك مواصلة ما تفعله للأبد. سوف تنهك إن عاجلا أم آجلا. الجميع يُنهك. فهكذا خلق البشر. من ناحية طريق التطور. لم يتعلم الإنسان السير منتصبا على قدمين و ارهاق نفسه بالأفكار إلا بالأمس. لذا لا تقلق. سوف تُستنزف. لا سيما في العالم الذي تحاول التعامل معه. ثمة كثير من الأشياء المعقدة التي تجري فيه. و كثير من الطرق التي تفضي بك إلى المتاعب. إنه عالم بُني من أشياء معقدة. الجميع يُستنزف في هذا العالم. سواء كانوا محترفين أم هواة. و جميعهم يتأذون. الأخيار منهم و الأشرار. لهذا يحتفظ كل شخص بتأمين صغير. فبهذه الطريقة يمكنك النجاة إذا استنفدت. و إذا كنت وحدك تماما. و لا تنتمي لأي مكان. فسوف تخرج من اللعبة عندما تسقط مرة واحدة و ينتهي أمرك.

من الأمور التي تظهر في جميع روايات موراكامي إحساسه بمدى عبثية الحياة و شقاء الجنس الإنساني و أحيانا أتصوره كقط ناعس يراقبنا نحن البشر و يرسل إلينا هذه القصص لتحذرنا من مصيرنا المحتوم.

جد قرفة أيضا كانت ه نفس العلامة التي على خدي. جد قرفة و الملازم ماميا تربطهما مدينة هسين شينج. الملازم ماميا و العراف السيد هوندا كانت تربطهما المهمة الخاصة التي نفذاها على الحدود المنشورية المنغولية. و أنا و كوميكو عرفتنا عائلة واتايا بالسيد هوندا. أنا و الملازم ماميا تربطنا تجاربنا في البئرين. بئره في منغوليا و بئري في العقار الذي أجلس فيه الأن. و في هذا العقار أيضا كان يعيش ضابط جيش كان يقود الجنود في الصين. كل هذه العلاقات متصلة في دائرة واحدة. و في مركز هذه الدائرة تقف منشوريا في فترة ما قبل الحرب. و البر الشرقي من آسيا. و حرب 1939 في نومونهان. لكنني لا أستطيع فهم سبب تورطنا أنا و كوميكو في هذه المعمعه التاريخية. وقعت جميع هذه الأحداث قبل مولدنا أنا و كوميكو بوقت طويل.

لأول مرة في تاريخي الموراكامي القصير أجده يحاول مساعدتنا بوضع الروابط و الصلات بين الشخصيات و الأحداث و يكتب لنا بعض الدوافع و الشروحات لعلنا نفهم ما يريد أن يقول و لكن هيهات. فلترح نفسك يا عزيزي هاروكي فلن نستطيع و لا نريد. نحن نحبك كما أنت بهذا الغموض و هذه العبثية و هذا اللامعقول.

لابد من وجود صلة بين ضربي لشخص ما حتى الموت في العالم الآخر و بين ما حدث لنوبورو واتايا. من الواضح أنني قتلت شيئا بداخله أو شيئا ذا صلة قوية به. ربما استشعر أنني قادم إليه. لكن ما فعلته لم يكن كافيا لإنهاء حياة نوبورو واتايا. نجا من حافة الموت. كان ينبغي لي أن أدفعه فوق الحافة. ما الذي قد يحدث لكوميكو الأن؟ هل ستتمكن من التحرر و هو حي؟ هل سيواصل إلقاء تعويذاته عليها من وعيه الغارق في الظلام؟

انتهت الحكاية

على الأقل نستطيع أن نقول أننا التقطنا أنفاسنا أخيرا بعد الكثير من الركض وراء الأحداث و محاولة فك الشفرات و حل الألغاز و استيعاب منطق الأشياء إن كان ثمة منطق لها.

بقي فقط أن أستعيد عالمي مُغلقا باب عالم موراكامي الضبابي وأكتب انطباعاتي عن هذه الرواية الجميلة

يدفعك موراكامي هنا لكتابة ما لم يكتبه بنفسك كما فعل قرفة. و على كل منا أن يتخيل ما نقص من أحداث حسب ما يرى و حسب ما يريد. لا عيب في ذلك فقد انتهى وقت الكاتب الذي يكتب لك كل شيء و بدأ دورك أنت الأن. على الأقل هذا هو ما فهمته و هذا هو ما تصورته

في هذا اليوم بعد عودتي من زيارة ماي كاساهارا ذهبت من فوري لحضور محاكمة كوميكو التي كانت في حالة أشبه بالذهول. لم يسمحوا لي بزيارتها قبل ذلك و لم ترغب هي في استقبال أحد. بذل محاميها جهدا خارقا ليتحدث معها أو يعرف دوافعها لقتل نوبورو واتايا و لكن بلا أي جدوى. كل ما كانت تقوله و تردده باستمرار أنها فعلت ما كان يجب أن تفعله. لم تكن تمل من ترديد هذه الجملة حتى أثناء استجوابها في المحكمة أو أمام الطبيب النفسي الذي انتدبوه للبت في حالتها.

في النهاية اقتنعت المحكمة بدفوع المحامي الذي افترض أن كوميكو كانت مصدومة بحالة أخيها و يائسة من شفاءه و أرادت أن تضع حدا لعذابه برفع أجهزة التنفس الصناعي عنه فيما يعرف بالموت الرحيم بناء على توصية شفهية منه. و بعد ما أوصى الطبيب النفسي مراعاة حالتها النفسية و الصدمة التي تعرضت لها حكمت المحكمة بعلاجها في المنزل تحت إشراف مصحة نفسية مع الحكم بالسجن ثلاث سنوات مع إيقاف التنفيذ.

عندما عدنا إلى البيت كانت كوميكو كشبح أبيض أو كملاك صامت أو كعابدة بوذية ذاهلة عن العالم لفترة طويلة ثم بدأت شيئا فشيئا تتحدث عن المستقبل. عن إنجاب طفل يبدد ظلام هذا البئر و عن استبدال المنزل بمنزل أخر في مكان لا تتذكر معه أي شيء مما حدث.

لم أسألها عن المكان الذي كانت محتجزة فيه و لا عن ما حدث قبل ذلك. لم أسأل عن العطر التي وضعته في المرة الأخيرة و من أهداه لها. لم أسأل عن السر الذي كان يجب أن تقوله لي حتى لا تتطور الأحداث على هذا النحو. لم أقل لها أيضا أي شيء عن مالطا كانو و جريتا كانو و بالطبع ماي كاساهارا التي أصبحت صديقتها الأن و لم أحك لها عن البئر و عن قرفة و جوزه و زبائنهما. طوينا صفحة الماضي التي لم يعد يربطنا بها شيء إلا مهمة أخيرة تبقت لي و هي ذر رماد الملازم ماميا في مكان ما حدده لي في مسقط رأسه.

هز القط أسقمري ذيله غريب الشكل ثم تكور على نفسه في حجري و راح في سبات عميق. نظرت له ثم نظرت لكوميكو و هي تعد لنا العشاء و نسيت كل شيء.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق