الشطار > مراجعات رواية الشطار > مراجعة Mohammed Makram

الشطار - خيري شلبي
تحميل الكتاب

الشطار

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

يمتلك خيري شلبي ناصية اللغة. و هو خبير في النفوس البشرية السارحة في الحارة المصرية و كذلك ذوي الأصول الريفية. أضف على هذا قدرته الفائقة على الحكي التي لا يباريه فيها أحد ممن قرأت لهم من العرب أو العجم. و كنت دائما أقول بعد كل رواية أقرأها له: هذا كاتب جدير بنوبل و بوكر و غيرها من الجوائز. إلا أنني كلما قرأت له أكثر تبين لي أنه يقع كثيرا في فخ التكرار. فجلسات الحشيش و طرق تعاطيه بالتفصيل الممل تجدها في كل رواياته بنفس التفاصيل مهما اختلف الأبطال بل و تجدها ربما عدة مرات في الرواية الواحدة و كذلك جلسات الطعام و الشراب و الأُنس التي لا تخلو منها رواياته و يشترك فيها معظم أبطاله كذلك بنفس تفاصيلها. الأمر الآخر هو الغنى الفاحش و السريع و الغير مبرر لعدد كبير من الناس في مساحة مكانية و زمانية ضيقة لا يستوعبها حيز الصدف. و لا يمكن أن يكون ثرائهم المادي السريع جميعا و في نفس الوقت مبررا و واقعيا. بل لا يمكن أن يكون إلا دربا من دروب الأساطير و هو للأسف نمط متكرر في كل ما قرأت له حتى الآن و هذه الرواية هي رقم أربعة عشر في سجل قراءاتي له و أنوي الاستمرار للنهاية.

الأمر الخطير الذي يشتت انتباهي أثناء القراءة هو عدم ضبطه للخط الزمني للرواية و خصوصا إذا كانت كهذه الرواية تأخذ حيزا زمنيا يكاد يجاوز النصف قرن. فمأمون الذي ولد عام واحد و ستين و خالته التي تدل الأحداث و الوقائع أنها ولدت في حوالي العام خمسه و عشرين و ماتت في أواخر السبعينات جمعهم اللقاء قبل موتها بعدة سنوات أثناء ما كانت رشا الخضري قبل أن يجمعهما اللقاء مرة أخرى و هي بشخصية البتعه أي في العام خمسة و سبعين على أقل تقدير. أي أن عمره كان أربعة عشر عاما رغم أنه كان يدرس في الجامعة و يعمل في نفس الوقت بفاصل ستة سنوات عن العمر المفترض أن يكون عشرون عاما و هي ستة سنوات مؤثرة تنقله من مصاف الأطفال إلى عمر الشباب الذي يستطيع فيه أن يتصدر الأحداث و يفعل ما فعله في الرواية.

مثال آخر و هو البتعه نفسها أو بسيمة التي ماتت و عمرها يقارب الستين بالحسابات المنطقية للأحداث التاريخية فيها و ما ذكر من تواريخ تخص الرواية نفسها و رغم ذلك يقول الراوي مرارا أنها في الخمسين. مثال أخير و هو عودة الكلب إلى شقة البتعه مع مأمون و هو حدث بينه و بين مغادرته لنفس الشقة لا يتعدى بضعة أيام و مع ذلك يصور لنا مشهد صعوده سلم البناية و هو يقابل أجيال أخرى من الكلاب لا تعرفه و قد تغيرت أشياء كثيرة في المبني و كأنه قد غاب عن الشقة لأعوام طوال. و أمثلة أخرى كثيرة قد يراها البعض غير مؤثرة و لكنها تشتت انتباهي أثناء القراءة و تجعلني أشعر أن هناك تشوه في الخط الزمني للحكاية.

اختار الكاتب هنا أن يكون راوي الأحداث كلب. و هذه حيلة شائعة في الرواية الحديثة التي لا يكون الراوي فيها هو البطل غالبا. تقتضي هذه الحيلة أن يكون سياق الكلام مناسب لعقلية الراوي و أن يروي ما رآه أو سمعه فقط و ليس كتقنية الراوي العليم بكل شيء حتى تحليلات الشخصيات و ما في نفوسها و نواياها و هذا ما لم ينتبه إليه الكاتب هنا. فالكلب يحكي و يحكي و يحكي و كأنه فيلسوف عصره و أوانه الذي يعرف كل شيء بتفاصيله و بمصطلحاتنا نحن التي لم يتميز عنا فيها بشيء و لم يتخلف بشيء اللهم إلا حين وضع له مأمون ميكروكروم قال انه وضع له سائل أحمر لا يعرفه. فالكلب هنا يعرف السيارات و أنواعها و المخدرات و طرق شربها و تهريبها و العطور و المجوهرات و النوايا و الأفكار كما أنه يعرف و يا للعجب شكل صورة الحسين في الرسم الإيراني الشائع ثم توقف عن معرفة الميكروكروم! أيضا لم تكن تأملات الكلب في الرواية مؤثرة أو تدخله في الأحداث ذا قيمة اللهم إلا في لقطة النهاية بعكس روايات أخرى كتحريات كلب لفرانز كافكا التي كانت الأحداث فيها بعين كلب و مصطلحات كلب و معارف و علوم الكلاب و كاشتانكا لأنطون تشيخوف الذي يروي قصة ضياع الكلب من صاحبه بلسان كلبي فصيح. أما هنا فلم يكن للكلب أي دور من وجهة نظري المتواضعة.

كل ما قلته في السطور السابقة لا يقدح في براعة خيري شلبي و لا يقلل من قيمة الرواية بالطبع و من أنا أصلا حتى أعدل على عمنا شلبي. إن هي إلا ملاحظات من عين محبة لأدب هذا العملاق الذي أمتعتني رواياته و لا زلت مُصرّ على انهاء مجموعته الكاملة عاجلا غير آجل.

الرواية عن مجتمع ما بعد الثورة بكل تناقضاته و بكل نقلاته و شطحاته و رحلات صعود أساطين الفساد فيه سواء في الوسط الفني أو في الوسط السياسي و المالي. لم تخل الرواية من التعريض بأشخاص كعثمان أحمد عثمان في شخص عبد الجبار و شخصية الثنائي الشيخ إمام و أحمد فؤاد نجم في شخصية الماوردي أو بسيمة التي ترمز للفنانة التي عرّض بها أحمد فؤاد نجم في قصيدة عزيزة أو القواد الفصيح. انقسمت الرواية لجزأين الجزء الأول فيها هو الأمتع بعد تجاوز المقدمة الطويلة التي يحدثنا فيها الكلب عن قصة لقائه بصاحبه و بمجرد أن تبدأ قصة البتعه يبدأ الفصل الأجمل أو الجزء الأجمل في الرواية التي لو انهاها شلبي عند هذا الحد لكانت أجمل. يبدأ الجزء الثاني بتصدر مأمون للأحداث و محاولة حل لغز عودة البتعه إلى قريتها بهذا الشكل الغريب و هو الجزء الأقل امتاعا و الأكثر مطا للأحداث بدون داع.

انتهت المراجعة التي ترددت في كتابتها لحبي الشديد لأدب هذا الرجل عسى أن أجد من يفند لي هذه الكلمات و يشرح لي ما أسأت فهمه.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق