جزيرة إلخ إلخ > مراجعات رواية جزيرة إلخ إلخ > مراجعة Mina Adel Gayed

جزيرة إلخ إلخ - مينا عادل جيّد
تحميل الكتاب

جزيرة إلخ إلخ

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

محمود عبد الشكور «جزيرة إلخ إلخ».. لعبة العبث والسخرية

فى هذه الرواية مزيج مدهش من العبث والسخرية، من بساطة الحواديت، ومن إعادة تأمل علاقة الإنسان بعالمه وبطموحه، وبأفكار صغيرة وكبيرة تثقل حياته، وتجعلها رحلة بحث، تطرح أسئلة، دون أن تقدم إجابات.

«جزيرة إلخ إلخ»، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، لمؤلفها مينا عادل جيد، تبتعد عن الواقع، لتعود إليه، فرغم سردها الخيالى، ورغم الجزيرة التى ينتمى سكانها جميعا إلى التوائم الملتصقة، فإننا نرى من خلال حبكتها التى تدور حول مادة غامضة مرنة، كل مفردات العلاقات الإنسانية.

تختبر الحدوتة حضور الدين، والعلم، والخرافة، والحب، والفن، مثلما تعكس أحلام الطبقات الاجتماعية، وتتأمل حيرة لا تنتهى، تسكن العقول والقلوب.

منح هذا الشكل حرية أكبر فى قراءة العالم، كما أن تلك الطريقة الساخرة فى السرد كانت مناسبة أيضا فى التخفيف من هذا المأزق الوجودى المأساوى فى جوهره، فلا يوجد وصول على الإطلاق، والتفاصيل الصغيرة، وربما التافهة أيضا، تبتلع الجهد والطاقة، والمادة الغامضة التى يدور حولها البحث، والتى تدخلنا من حكاية إلى حكاية إلى حكاية، تحمل معنى مفتوحا ومرنا، وتترك مساحة لكل قارئ، لكى يشكلها كيفما أراد، ووفقا لحكايته هو، وكأن هذه الكتلة المطاطية، يعاد تكوينها كما نريد، على اختلاف السعى والحلم والطموح.

ثلاث حكايات متداخلة، يرويها «سارد عليم»، يزعم طوال الوقت أنه يروى الحقيقة، ويكسر دوما توقعات القارئ، تحت هذا الادعاء بالإخلاص لما وقع فعلا، وهذه الثقة المدعاة تثير بدورها مزيدا من السخرية، خصوصا أن الأحداث غريبة، والبناء بأكمله أقرب إلى حواديت بسيطة، تذكرنا بالشكل الأقدم للرواية، بالحكواتى الذى يخاطب القارئ، وبمغامرات «دون كيخوته» وتابعه «سانشو بانثا»، وبتلك العناوين البسيطة لكل مرحلة من المغامرة، وبفكرة توليد حكاية من أخرى، بل ويبدو لنا، رغم أننا سنعود فى النهاية إلى قصة العجوز صاحب الجوال، أن الرحلة بلا نهاية، وأن المادة التى يبحثون عن سرها قد تظهر فى مكان جديد، فتولد منها رحلات وحكايات جديدة. «البحث» هو تيمة القصص الثلاث، وكل بطل لقصة يبحث عن شىء يخصه، ويثير اهتمامه: بطل القصة الأولى طفو وتلميذه بوتو يبحثان عن سر هذه المادة المطاطية، طلبا للمجد العلمى، وبطل القصة الثانية ولى عهد الجزيرة، يبحث عن الحب، وبطل القصة الثالثة العجوز ميجو، يبحث عن الفن، وهذا البحث يأخذ دائما شكلا عبثيا ومضحكا.

لغز المادة المطاطية الغامضة يربط بين الحكايات، ويصنع سؤالا، يعاد طرحه فى كل قصة، وكل حكاية لا تنتهى إلى غاية، بل إننا أقرب ما نكون إلى الدوران فى عالم من السراب، ولكن هناك حالة من الهوس بالبحث، مهما تكلفت كل شخصية، من جهد ومشقة.

وعندما تؤسس الجزيرة كلها على فكرة التوائم الملتصقة، وعلى شخصيات تتمتع برأسين، لا برأس واحد، وعندما تفكر رأس أحيانا، بعكس تفكير الرأس الأخرى، فإن المعركة تبدو فى داخل الإنسان، وليست خارجه، فى صراعه الداخلى مع أفكاره، وليست مع العالم وحده. ورغم مشقة هذا الصراع الداخلى، فإنه أيضا عنوان الحلم والحرية، فى ألحانه تتجسد هذه الحرية الكاملة، وينطلق الحوار الداخلى بشكل علنى وصريح، دون خوف أو اتهام بالهرطقة.

وبينما يعتبر العلم أمرا خطيرا وعظيما، فإن دراسات العالم طفو تأخذه إلى تفاهات عجيبة، وبينما يبدو الحب قيمة عظيمة، فإن بحث ولى العهد عن عروس، برفقة ابنه طفو، يبدو هزليا وربما مهينا، وبينما يبدو ميجو مهووسا بالشعر والموسيقى والغناء، فإنه يفقد فى النهاية كل شىء، بعد أن سحقه قطار الزمن.

الأحلام دوما كبيرة، وكلها تستحق المغامرة، ولكن الشخصيات تتوه، وتضل الطريق، والجدية سرعان ما تتحول إلى عبث، لا يمكن السيطرة عليه، ولا يصنع أرضا يمكن الوقوف عليها.

هنا أفكار لامعة حقا تثير التأمل، وتكشف عن مأساة فى قلب المهزلة، وهنا أيضا طموح سردى، كان يمكن أن يكون أكثر إحكاما، وأقل استطرادا فى الحوارات والمناظرات، التى كان يمكن دمجها بشكل أقوى أفضل فى ثنايا الحواديت. ورغم التسليم بأن هذه الحوارات هى قلب المعنى، فإن نجاحها كان يجب أن يتم من خلال الرحلة المشوقة، كما تجمدت خطوط كان يمكن أن تستغل بشكل أفضل، مثل علاقة ولى العهد بابنة طفو فى الحدوتة الثانية، والتى كان يمكن أن تتطور، وتدفع الأحداث إلى الأمام.

لكن المغامرة ظلت طريفة حتى النهاية، وظل هذا الجوال الغامض، الذى حمله العجوز إلى الجزيرة، هو السؤال واللغز الدائم، وهو عنوان الجد والهزل معا، وهو أيضا معنى الحكاية. لا يريح الإنسان ولا يستريح، لا يقنع بالفوز بالحبيبة، فيبحث عن الفن، يريد أن يعرف كل شىء، ويقتله الفضول، يريد عالما تحكمه القوانين العلمية، ولكنه يبحث أيضا عن غموض الخرافة والنجوم، يرى الغرابة فيمن يختلف عنه، ويحلم بما فوق القدرة والطاقة.

لا تستطيع أن تطرد عن خاطرك فكرة «عبثية الرحلة» على طريقة دون كيخوتة وسانشوا بانثا، وأنت تقرأ عن مغامرات طفو وبوتو، ويمكنك أن ترى تقاطعا بين لغز المادة المطاطية، وبين هاجس وفكرة البحث عن المعرفة عبر العصور.

وإذا كان الإنسان ذو الرأسين يستغرب وجود إنسان ذى رأس واحدة، فإن الغرابة ليست فى الشكل، وإنما فى طبيعة الإنسان نفسه، أى إن اللغز ليس خارجنا، وإنما فى هذه التناقضات الداخلية، وفى هذا السعى الغامض وراء شىء ما لا نعرفه، لا نستطيع أن نبلغه، ولا يمكننا أن نترك البحث عنه.

يقول السارد إن حكايته مأخوذة من نسخة لمؤلف قديم، ولكنها فى الواقع حكاية كل أوان:

إنها قصة رأس الإنسان، عدوة ما تجهل، فما بالك لو كان للإنسان رأسان تجهلان؟

إنها قصتنا، وقصة طفو، وميجو، وولى العهد، وغيرهم.. إلخ.. إلخ.

جريدة الشروف - السبت 23 ديسمبر 2023 - 8:00 م

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق