فئران أمي حصة > مراجعات رواية فئران أمي حصة > مراجعة Mohamed Khaled Sharif

فئران أمي حصة - سعود السنعوسي
أبلغوني عند توفره

فئران أمي حصة

تأليف (تأليف) 4.2
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

"كنا نستنشق كراهيتنا كما الهواء، لا مفر منها. صار كل شئ بين الـ هم والـ نحن."

القراءة الثالثة لسعود السنعوسي، بعد "سجين المرايا" الجيدة، و"ساق البامبو" التي أحتاج لإعادة قراءتها لأعرف هل كان انبهاري بها وقتها بنفس قدر "فئران أمي حصة"، أم أحدهما تفوق على الآخر؟ ولكن، حين يأتي وقتها، هذا أفضل عمل قرأته لسعود حتى الآن.

فالرواية على كبر حجمها، لم أشعر بالملل إطلاقاً، كل التفاصيل الجانبية كانت جذابة ومهمة، شطر الحكاية الواحدة لتصبح حكاية في الماضي وحكاية في الحاضر، ليُظهر المفارقة الحزينة بين ماض يبدو سعيداً لولا الحروب؟ وتزايد مؤشر الكراهية؟ وبين حاضر ملوث بالسواد، السماء طاحت يا أمي حصة، وما عدنا نرى غير الدماء والقتل. في البداية، شعرتُ أن هذه الرواية تدور حول معاناة الفرد الكويتي، من كراهية تزيد، وطائفية تنتشر، ولكن بعد تفكير لمدة لا بأس بها، وجدت أن الرواية يُمكن إسقاطها على أي بلد عربي، أو هذا ما أحاول أن أدعيه، فمفهوم الفتنة الطائفية، منتشر في كل بقاع الوطن العربي، يتصارع كل حملة الأديان والطوائف على برهنة أي دين أو طائفة هي التي تستحق الجنة، والباقي في النار وبئس المصير، متى ترعرع في وادينا الطيب كل هذه الكراهية؟ لماذا أصبحنا نكره الأخر؟ هذا ما يُحاول السنعوسي فهمه وطرحه.

"لسنا في وقت يسمح لنا بترف الحنين إلى زمن طفولة في ماض كان، ولكنه حنين إلى زمن، رغم الخيبات فيه، عشناه بأفضل ما يكون."

يسرد "السنعوسي" تاريخ الكويت، منذ منتصف الثمانينات وحادث تفجير المقاهي الشعبية، ثم يمضي بالتاريخ قدماً إلى الغزو العراقي للكويت، يُحاول أن يُفكر معنا بصوت عال، وُيشركنا في أفكاره، وتأملاته، عن الكراهية، عن الأسئلة التي تخنق طفلاً ويسعى للحصول على إجابات ربما تريح حيرته، من خلال حكاية واحدة مشطورة بين ماض سعيد، نتحسر على هدوءه، وأنه كان على رغم مساوءه، كان أفضل من واقعنا الحالي، وأفضل حالة مُمكنة. ومن خلال لفيف من الشخصيات تُمثل الطائفة هذه والطائفة هذه، وكأنه لا بد أن نُعرف بناءاً على ديننا أو طائفتنا أو جنسيتنا، هكذا أصبح الإنسان، يُعرف بما وجد نفسه عليه، بما لم يختاره، وعليه أن يعيش يحمله على عاتقه لبقية حياته، وتتشابك الأحداث والشخصيات، ووجدت نفسي أتمشى في الأماكن التي يصفها سعود، وأراها بعيني من خلال سطوره، يرثي المكان، ويرثي ماضيه، ويرثي الحياة التي أصبحنا نعيشها.

"بعضُ الأورامِ لا يكفُّ نموًّا إلا بموت الجسد."

الرواية في حاضرها بمثابة ديستوبيا حيث يرى سعود المستقبل وقت كتابة الرواية -2015- بأن عام 2020 سيحمل ظلاماً أكثر، وكان بالطبع العام 2020 مظلماً ولكن حمداً لله لم يكن لنفس الأسباب المُتخيلة بالرواية، والهدف من كتابة هذا النوع هو الصراخ في وجه الكراهية، التحذير من مستقبل ملعون يهددنا ويهدد من يخلفنا، يُعطينا لمحة عما يمكن أن يُصبح عليه العالم، لو استمرينا في الكره المجنون للآخر، ونسينا أن الآخر هذا، إنسان مثلنا تماماً وقد يكون قريباً أو صديقاً أو حبيباً، أو حتى غريباً، يبتسم لك، فتشعر بطمأنينة. اهتم الكاتب بالعديد من التفاصيل في الرواية، دقة تصل إلى الكمال، لمشاعر وأحداث، حتى أن صفحة "أولاد فؤادة" لو بحثت عنها بنفس اسم المستخدم لوجدته على تويتر سابقاً إكس حالياً، وستخرج من الرواية تشعر برغبة أن تشاهد مسلسل "على الدنيا السلام"، وأن تقرأ لـ"إحسان عبدالقدوس" لأسباب حميمية ربطتك مع الرواية. لاحظت في أسلوب السرد، تأثر الكاتب الواضح بإسماعيل فهد إسماعيل رحمه الله، في روايته في حضرة العنقاء والخل الوفي، وكتابة الجمل المنقوصة، التي يكملها القارئ في عقله، فيتشارك الكاتب والقارئ في كتابة رواية، وكأنه يُماهي بين بطل الرواية والقارئ كأنهم شخص واحد، ولم لا؟

"ذاكرته سيئة من يتذكر كلَّ شيء، وأنا ملعونٌ بذاكرتي."

ختاماً..

واحدة من أجمل القراءات في الرواية العربية، رواية دسمة وكبيرة، وتحتاج إلى قراءة بهدوء وتمهل، فعيش هذه الأحداث، مؤلم، ويحتاج أن تلتقط أنفاسك بعد كل حدث حزين، وصدقني، هذه رواية حزينة، لا تدعي الأمل ولا تُزيف الواقع، وهذا ما أحببته أكثر ولمسني، أن الرواية لا تتخيل واقعاً كابوسياً، من أجل كتابة ديستوبيا، ولكنها نقلت بحرص وبأمانة، مستقبلاً قد يشق حاضرنا، إلى شطرين، ما قبله، وما بعده، كما الرواية.

بكل تأكيد يُنصح بها.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق