حكاية نملتان دهسهما فيل واحد. ليس ذلك فقط بل أرغم إحداهما على قرص الأخرى.
أن تكون مواطنا في دولة حكم الفرد الإله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه فهذا هو الجحيم بعينه.
❞ وطن؟
أيّ وطن وأنت لا تملك شبراً أو شيئاً فيه؟ حتى جسدك الذي تكوّن في رحم أمّك لا تملكه أنت. الحكومة هي التي تملك جسدك وتسمح لك، لفرط كرمها، أن تعيش فيه. وكأي مالك جشع، فهي تفعل بجسدك ما تشاء متى ما شاءت. تلقي به، مع مئات الآلاف من الأجساد، في أتّون الحروب الخاسرة. تحرمه من الطعام وتجيعه كي تسمن هي وأولادها. وإذا اعترضت أو خالفت سننها الجائرة سيعضّك كلب من كلابها المسعورة ويقتطع عضواً من أعضائك. وستترك الحكومة دمغتها وشماً على جبينك إذا تجرّأت وخالفت قوانينها الباطلة العشوائيّة. هذا إذا حالفك الحظ ولم تدفنك في الصحراء وتتركك بلا شاهد كي لا يزورك أهلك. ❝
قد تضطر إلى الهرب من هذا الوطن لمحاولة البحث عن الإنسان الذي بداخلك و لكنك ستدرك فيما بعد أن الوطن نفسه قد ارتحل معك كجزء منك لا ينفصل أبدا.
❞ لم يكن يدرك في تلك اللحظة. لكنّه سيكتشف فيما بعد، مراراً، أنّ الرأس حقيبة، والقلب أيضاً. وأنّهما يحملان، ويختزنان، ما لا تحمله مئات الحقائب. ولا يمكن إفراغ ما فيهما والتخلص منه، أو منهما، بسهولة. ❝
و لا يشعر بالألم أحدا مهما بلغ تعاطفه مثل صاحب الألم. فقد يرى أحدهم أن ما تعرضت له أنت هو هين بالنسبة لما تعرض له غيرك و لكنه بمجرد تعرضه لنفس الموقف فسيقيم الدنيا صراخا.
❞ لكنّ سرد قائمة الجرائم بتفاصيلها وأصناف الوحشية وجدولتهما كان يؤدّي إلى نتيجة معاكسة. يهمّش جرحه ويحوّله إلى حبّة صغيرة أمام القباب العالية ويضيّعه هو في زحام الضحايا. نملة تحمل حبة، تدهسها مجموعة من الفيلة الغاضبة والهاربة من مذبحة. يعيده سرد قائمة الجرائم إلى أواخر الطوابير الطويلة التي يقف فيها الآلاف يحملون جراحهم وشكاواهم وعرائضهم، أو صور أحبتهم. خاسرٌ هو بين الخاسرين في أولمپياد المعاناة هذا. ❝
في النهاية يبقى الحب. فهو دائما و أبدا سيعيد إلينا أنفسنا سواء بالوقوع فيه أو باجترار الذكريات القابعة في عمق وجداننا.
❞ كان العلم والمعرفة الماديّة هما عماد مقاربته لفهم تفاصيل الحياة وتحليلها والتعامل معها. لكنّ الحب كان يظل استثناء عصيّاً على التفسير. كيف يحدّد القلب من سيكون المحبوب؟ لا خرائط ولا بوصلة أو وصفات. ❝
و هذا هو ما يحدث كل يوم.
❞ لكن الأمور تغيّرت شيئاً فشيئاً، كما يحدث كثيراً. فأخذ القرب منها، والبعد عنها، يؤثران على طيف مشاعره أكثر من قبل. أما هي فخفّفت من دفاعاتها الشرعيّة والرقابة التي كانت قد فرضتها على عواطفها ورغباتها. فالتقيا كنهرين اختلفت منابعهما ومساراتهما. فهذا تردّد وتعرّج، واستنزفته بحيرات، وأوقفته سدود. وذاك أسرع، ثم أبطأ، وابتعد حتى كاد يضيع. لكنهما صبّا في موضع واحد. ❝
قد نتوقف أحيانا للسؤال عن كيف جرت الأمور و لماذا وصلنا إلى هنا تحديدا و غالبا ما تكون الإجابة:
❞ إزاي يا ترى؟ أهو دا اللي جرى وأنا ما عرفشي ❝