من الشباك > مراجعات رواية من الشباك > مراجعة حنان سليمان

من الشباك - أحمد خير الدين
تحميل الكتاب

من الشباك

تأليف (تأليف) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

ماذا لو كنت ترى العالم من شباك صغير ضيق هو كل نافذتك على الدنيا؟ تسابق عليه حتى تحجز مكانا تروي فيه ظمأ عينك التي تسلم على الحياة بعد أن أقبروك سنينا بلا جريرة سوى الاختلاف فتشاهدها دون انغماس.. تقترب ولا تلمس..؟

"سياسي" هو الختم الموصوم به من يقف في سيارة الترحيلات بطلة الكتاب القصصي "من الشباك" للكاتب والصحفي أحمد خير الدين (دار الشروق ٢٠١٨).

ليس بين أبطال الكتاب سجين جنائي. الواقفون بالداخل خلف الشباك يشعرون بواجب الوداع. يجهلون مصيرهم. ينظرون إلى الدنيا عبر ثقب قبيح فيُمنّيهم دون بلوغ. يتمعنون فيها. ينادون على بعض المارة ويلوحون لهم. وعليهم في كل هذا أن يحرصوا ألا يلاحظهم الضابط وإلا كدرهم جميعا.

يتأملون السماء وأعينهم تسأل: ماذا فعلنا؟

❞ التقت عيناي براكب يقف في أتوبيس نقل عام. ظل ينظر إليَّ. شعرت بخجل شديد وطأطأت رأسي.‏

⁠‫كنت أريد أن أخبره أني مظلومة.هل يعرفني؟ هل سيصدقني؟ رفعت رأسي فوجدته يرفع يديه إلى السماء داعيا. نظر إليَّ مجددا وطلب مني بإيماءات رأسه أن أفعل مثله.‏

اجتاحتني مشاعر مختلطة. ضيق وخوف شديد وحسرة على حالي. وامتنان لما فعله العابر في الطريق. هل ظن أني مجرمة؟ ❝

البعض يتجاوب ويبتسم، والبعض يلوح لهم. بين المتجاوبين سيدات من على أسطح المنازل والنوافذ، وراكبي الموتوسيكلات، وسائقي عربات النقل الأكثر قربا لمستواهم في النظر بما يسمح بتبادل حديث عابر. بعضهم ينظر في رثاء لمن خلف الشباك مستفهما كيف وصل بهم الحال إلى هنا وكأن عينه تنطق "ماذا جرى؟"

❞ في إحدى المرات، زادت سرعة عربتي، فانقطع حديث لي مع عامل كان يجلس في صندوق سيارة نقل، ما جعل الأخير يلح على سائق سيارته أن يلحق بنا، وعندما اقترب ثانيةً من عربتي، سألني بلهفة: «وبعدين؟».‏ ❝

لدى عودتهم، يبادر زملاؤهم في العنبر بالسؤال عما رأوا. أحدهم يسأل زميله العائد من المحكمة باهتمام: "شفت البحر؟". أقرأ سؤاله في الكتاب وأرى عينيه تلمعان من الشغف وهو يطرحه. آخر يمر بجوار المطار فيرى أضواء طائرة تحط وأخرى تنطلق برأسها للسماء. الحلم كله.

سيارة الترحيلات مثل الصندوق؛ دافئ شتاء، مايكروويف صيفا. كالرحم الذي لا ينضب، تفرخ السيارة المحبوسين المتكدسين وتعج بقيئهم ومع ذلك يبقى بها متسع للغناء بين أغاني الشيخ إمام وحتى "الحياة بقى لونها بمبي" على أنغام رنين الهاتف "فيها حاجة حلوة".

لكن الضابط عادة ما يبرهن على عكس الحاجة الحلوة حين يتعامل بفظاظة ويتهكم ويسخر من طلبات السجناء. إحداهن طلبت منه مرة أن يترك باب السيارة مفتوحا فأجابها "آه طبعا، ونعدي على «أون ذا ران» كمان لو تحبيّ".

الكثيرون منهم امتلأوا بالجفاء. يعتبرون من يصحبونهم سائرين في "طريق الضلال"، ولا يرون مشكلة في السجن. يقولون: هذا "سيدنا يوسف مكث في السجن سبع سنوات!‏"

البعض من "عبد المأمور" الأقل رتبة يتعاطف أحيانا. أمين شرطة سمح لإحداهن بالجلوس لدقائق في حديقة عامة قريبة من المستشفى بملابسها البيضاء التي أثارت انتباه المارة فقابلتهم بالابتسام. طمعت أكثر فخلعت حذاءها وسارت حافية على العشب.

في الكتاب توثيق لحكايا وقصص وذكريات الترك في الصحراء، وصوت إغلاق الزنزانة كل مساء، وأسئلة المكان والوجهة التي يحرم إجابتها..

وبراءة الروح..

❞ حين رآني القاضي أبكي طلب مني أن أتوقف لأنه تأثر بدموعي، وسألني ماذا أريد. أجبته « عايزة أروّح». ابتسم وسمح لي بالجلوس. كالبلهاء تفاءلت وظننت أن الرأفة بحالي قد تطلقني حرة بعد دقائق.‏

⁠‫حين أعادوني إلى السجن مرة أخرى اكتشفت أن القاضي أمر بحبسي خمسا وأربعين يوما ❝

وتبادل الأدوار في ذات المكان..

❞ أكثر ما آلمني أني أعرف هذه القاعة جيدا. أجلس هنا في تلك اللحظة وقبل أسابيع كنت أجيء كصحفية أغطي هذه المحاكمات. الآن هنا مجددا. لكني متهمة أرتدي الملابس البيضاء. وأبكي. وينظر لي الزملاء بإشفاق.‏ ❝

قرب السيارات في ساحة الترحيلات أهالي منتظرون وبقايا رسائل مكتوبة بخط رديء أو مرتبك ألقاها المحبوسون وطحنتها أقدام العابرين. أحدهم كتب رقم هاتف وإلى جواره ثلاث كلمات: "قل لهم يلحقوني".

الكتاب ممتاز في فكرته على قسوتها، إنساني للغاية، ينقلك لمكان تراه كثيرا ولا تدخله فيفتح عينيك على ما تجهل.

كتاب لا يخترع شرا، هو فقط يُخبرك عنه.

النظافة؟

"البلد كلها محبوسة ومفيش وقت حد ينضف العربية".

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
1 تعليقات