لا تعتذر عما فعلت > مراجعات كتاب لا تعتذر عما فعلت > مراجعة Mohammed Makram

لا تعتذر عما فعلت - محمود درويش
تحميل الكتاب

لا تعتذر عما فعلت

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

هي في المساء وحيدةٌ

وأَنا وحيدٌ مثلها...

بيني وبين شموعها في المطعم الشتويِّ

طاولتان فارغتان (لا شيءٌ يعكرُ صَمْتَنَا)

هي لا تراني إذ أراها

حين تقطفُ وردةً من صدرها

وأنا كذلك لا أراها إذ تراني

حين أرشف من نبيذي قُبْلَةً...

هي لا تُفَتِّتُ خبزها

وأنا كذلك لا أريقُ الماءَ

فوق الشَّرْشَف الورقيِّ

(لا شيءٌ يكدِّر صَفْوَنا)

هي وَحْدها وأَنا أمامَ جَمَالها

وحدي. لماذا لا تُوحِّدُنا الهَشَاشَةُ؟

قلت في نفسي

لماذا لا أذوقُ نبيذَها؟

هي لا تراني إذ أراها

حين ترفَعُ ساقَها عن ساقِها...

وأنا كذلك لا أراها إذ تراني

حين أخلَعُ معطفي...

لا شيء يزعجها معي

لا شيء يزعجني فنحن الآن

منسجمان في النسيان...

كان عشاؤنا كل على حِدَةٍ شهيّاً

كان صَوْتُ الليل أزْرقَ

لم أكن وحدي ولا هي وحدها

كنا معاً نصغي إلى البلِّوْرِ

[لا شيءٌ يُكَسِّرُ ليلنا]

هي لا تقولُ:

الحبُّ يُولَدُ كائناً حيّا

ويُمْسِي فِكْرَةً.

وأنا كذلك لا أقول:

الحب أَمسى فكرةً

لكنه يبدو كذلك...

⭐️⭐️⭐️⭐️

سَقَطَ الحصانُ عن القصيدةِ

والجليليّاتُ كُنَّ مُبَلَّلاتٍ

بالفَراشِ وبالندى

يَرْقُصْنَ فوق الأقحوانْ

الغائبان: أنا وأنتِ

أَنا وأنتِ الغائبانْ

زوجا يمام أَبيضانْ

يَتَسامران على غُصون السنديانْ

لا حُبَّ لكني أُحبُّ قصائدَ

الحبّ القديمةَ تحرسُ

القَمَرَ المريضَ من الدخانْ

كرُّ وفرٌّ كالكَمَنْجَةِ في الرباعيّاتِ

أَنْأَى عن زماني حين أَدنو

من تضاريس المكانْ...

لم يَبْقَ في اللغة الحديثِة هامشٌ

للاحتفاء بما نحبُّ

فكُلُّ ما سيكونُ... كانْ

سقط الحصان مُضَرَّجاً

بقصيدتي

وأنا سقطتُ مُضَرَّجاً

بدَم الحصانْ...

⭐️⭐️⭐️⭐️

زيتونتانِ عتيقتانِ على شمال الشرقِ

في الأولى اختبأتُ لأخدَعَ الراوي

وفي الأخرى خَبَأْتُ شقائق النعمانْ

إن شئتُ أن أَنسى... تَذَكَّرْتُ

اُمتلأتُ بحاضري واخترتُ يومَ

ولادتي ... لأرتِّب النسيانْ

تَتَشَعّبُ الذكرى. هُنَا قَمَرٌ يُعدُّ

وليمةً لغيابه. وهناك بئرٌ في

جنوبيِّ الحديقة زفَّتِ امرأةً إلى شيطانْ

كُلُّ الملائكة الذين أُحبُّهُمْ

أخذوا الربيعَ من المكان صباح

أمسِ وأورثوني قمَّة البُرْكانْ

أَنا آدمُ الثاني. تَعَلَّمْتُ القراءةَ

والكتابةَ من دروس خطيئتي

وغدي سيبدأ من هنا والآنْ

إن شئتُ أن أَنسى... تذكّرتُ

انتَقيْتُ بدايةً وَوُلِدْتُ كيف أردتُ

لا بطلاً... ولا قُرْبانْ

تَتَشَعَّبُ الذكرى وتلعَبُ. ها هنا

زيتونتان عتيقتان على شمال الشرقِ

في الأولى وَجَدْتُ بُذورَ أُغنيتي

وفي الأخرى وَجَدْتُ رسالةً

من قائد الرومانْ:

يا إخوَةَ الزيتونِ

أطلُبُ منكمُ الغفران

أطلب منكمُ الغفران...

⭐️⭐️⭐️⭐️

تُنسى كأنَّكَ لم تَكُنْ

تُنْسَى كمصرع طائرٍ

ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى

كحبّ عابرٍ

وكوردةٍ في الليل .... تُنْسَى

أَنا للطريق...هناك من سَبَقَتْ خُطَاهُ خُطَايَ

مَنْ أَمْلَى رُؤاهُ على رُؤَايَ. هُنَاكَ مَنْ

نَثَرَ الكلام على سجيَّتِه ليدخل في الحكايةِ

أَو يضيءَ لمن سيأتي بعدَهُ

أَثراً غنائياً...وحدسا

تُنْسَى كأنك لم تكن

شخصاً ولا نصّاً... وتُنْسَى

أَمشي على هَدْيِ البصيرة رُبّما

أُعطي الحكايةَ سيرةً شخصيَّةً. فالمفرداتُ

تسُوسُني وأسُوسُها. أنا شكلها

وهي التجلِّي الحُرُّ. لكنْ قيل ما سأقول.

يسبقني غدٌ ماضٍ. أَنا مَلِكُ الصدى.

لا عَرْشَ لي إلاَّ الهوامش. و الطريقُ

هو الطريقةُ. رُبَّما نَسِيَ الأوائلُ وَصْفَ

شيء ما أُحرِّكُ فيه ذاكرةً وحسّا

تُنسَى كأنِّكَ لم تكن

خبراً ولا أَثراً... وتُنْسى

أَنا للطريق... هناك مَنْ تمشي خُطَاهُ

على خُطَايَ وَمَنْ سيتبعني إلى رؤيايَ.

مَنْ سيقول شعراً في مديح حدائقِ المنفى

أمامَ البيت حراً من عبادَةِ أمسِ

حراً من كناياتي ومن لغتي فأشهد

أَنني حيُّ

وحُرُّ

حين أُنْسَى!

⭐️⭐️⭐️⭐️

أمَّا أَنا فأقولُ لاسْمي: دَعْكَ منِّي

وابتعدْ عنِّي فإني ضقتُ منذ نطقتُ

واُتَّسَعَتْ صفاتُك! خذ صفاتِكَ وامتحنْ

غيري... حملتُك حين كنا قادرَينْ على

عبور النهر مُتَّحدين ((أَنت أنا )) ولم

أَخْتَرْكَ يا ظلِّي السلوقيَّ الوفيَّ آختارك

الآباء كي يتفاءلوا بالبحث عن معنى.

ولم يتساءلوا عمَّا سيحدُثُ للمُسَمَّى عندما

يقسو عليه الاسمُ أَو يُمْلي عليه

كلامَهُ فيصير تابعَهُ... فأين أَنا؟

وأَين حكايتي الصُّغْرَى وأوجاعي الصغيرةُ؟

تجلس امرأةٌ مَعَ آسْمي دون أَن

تصغي لصوت أُخُوَّةِ الحيوان

والإنسان في جَسَدي وتروي لي

حكاية حبها فأقول: إن أَعطيتني يَدَكِ

الصغيرةَ صِرتُ مثلَ حديقة.. فتقول:

لَسْتَ هُوَ الذي أَعنيه لكني أُريد

نصيحةً شعريّةً. ويحملقُ الطلاب في

اسمي غير مكترثين بي وأنا أَمرّ

كأنني شخص فضوليُّ. وينظر قارئ

في اسمي فيبدي رأيه فيه: أُحبُّ

مسيحَهُ الحافي وأما شِعْرهُ الذاتيُّ في

وَصْفِ الضباب فلا !... ويسألني:

لماذا كنت ترمقني بطَرْفٍ ساخرٍ. فأقول:

كنت أحاور آسمي: هل أَنا صِفَةٌ؟

فيسألني: وما شأني أنا؟/

أمَّا أَنا فأقول لاسمي: أَعْطِني

ما ضاع من حُرِّيَّتي!

⭐️⭐️⭐️⭐️

"لا شيءَ يُعْجبُني"

يقول مسافرٌ في الباصِ – لا الراديو

ولا صُحُفُ الصباح ولا القلاعُ على التلال.

أُريد أن أبكي/

يقول السائقُ: انتظرِ الوصولَ إلى المحطَّةِ

وابْكِ وحدك ما استطعتَ/

تقول سيّدةٌ: أَنا أَيضاً. أنا لا

شيءَ يُعْجبُني. دَلَلْتُ اُبني على قبري

فأعْجَبَهُ ونامَ ولم يُوَدِّعْني/

يقول الجامعيُّ: ولا أَنا لا شيءَ

يعجبني. دَرَسْتُ الأركيولوجيا دون أَن

أَجِدَ الهُوِيَّةَ في الحجارة. هل أنا

حقاً أَنا؟/

ويقول جنديٌّ: أَنا أَيضاً. أَنا لا

شيءَ يُعْجبُني. أُحاصِرُ دائماً شَبَحاً

يُحاصِرُني/

يقولُ السائقُ العصبيُّ: ها نحن

اقتربنا من محطتنا الأخيرة فاستعدوا

للنزول.../

فيصرخون: نريدُ ما بَعْدَ المحطَّةِ

فانطلق!

أمَّا أنا فأقولُ: أنْزِلْني هنا. أنا

مثلهم لا شيء يعجبني ولكني تعبتُ

من السِّفَرْ.

⭐️⭐️⭐️⭐️

ماذا سَيَبْقَى من هِبات الغيمة البيضاءِ؟

زَهْرَةُ بَيْلسَانْ

ماذا سيبقى من رَذَاذ الموجة الزرقاءِ؟

إيقاعُ الزمانْ

ماذا سيبقى من نزيف الفكرة الخضراءِ؟

ماءٌ في عُرُوق السنديانْ

ماذا سيبقى من دُمُوع الحُبِّ؟

وَشْمٌ ناعمٌ في الأرجوانْ

ماذا سيبقى من غُبار البحث عن معنى؟

طريقُ العنفوانْ

ماذا سيبقى من طريقِ الرحلة الكبرى

إلى المجهولِ؟

أُغنيةُ المُسَافر للحصانْ

ماذا سيبقى من سراب الحُلْمِ؟

آثارُ السماء على الكَمَانْ

ماذا سيبقى من لقاء الشيء باللاشيء؟

إحساسُ الأُلوهة بالأمانْ

ماذا سيبقى من كلام الشاعر العربيِّ؟

هاويةٌ... وخَيْطٌ من دخانْ

ماذا سيبقى من كلامِكَ أنْتَ؟

نسيانٌ ضروريٌ لذاكرة المكانْ!

⭐️⭐️⭐️⭐️

أَنزلْ هنا والآن عن كَتِفَيْكَ قَبْرَكَ

وأعطِ عُمْرَكَ فُرْصَةً أخرى لترميم الحكايةِ

ليس كُلُّ الحُبِّ موتاً

ليستِ الأرضُ اغتراباً مزمناً

فلربما جاءت مناسبةٌ فتنسى

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق