ذبابة بشرية > مراجعات رواية ذبابة بشرية > مراجعة ماجد رمضان

ذبابة بشرية - هانز أولاف لهلوم, يارا أيمن
تحميل الكتاب

ذبابة بشرية

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

مراجعة رواية ذبابة بشرية

اسم الرواية: ذبابة بشرية

اسم المؤلف: هانز أولاف لاهلوم

كاتب نرويجي شهير في أدب الجريمة، ومؤرخ، صارت كتبه من الأكثر مبيعًا في النرويج وهي تتألف من سلسلة جرائم من بطولة مفتش المباحث "كولبيورن كريستيانسين"، الشهير بـ “K2"، ومساعدته الشابة "باتريشيا" التي تسبق سنها برجاحة عقلها.

ترجمة: يارا أيمن.

دار النشر: العربي للنشر والتوزيع.

سنة النشر:2023

تصنف هذه الرواية بما يعرف بأدب الجريمة (Crime fiction)‏ أو روايات التحري (Detective stories) أو الأدب البوليسي، وهو نوع أدبي يقوم على تحويل الجريمة إلى رواية أدبية شائقة من ناحية اكتشاف منفذيها ودوافعها وخباياها، وتعمل أحداثها المتتابعة الغريبة على حبس أنفاس القارئ منذ بداية الاطلاع حتى الصفحة الأخيرة.

وتعد روايات الأديب والناقد الأمريكي إدغار آلان بو، البدايات الحقيقية للرواية البوليسية الحديثة، وهي ثلاثية بوليسية، أشهرها الراوية الأولى (مقتل في شارع مورغ) عام 1841م، وهو الذي ابتدع الشخص الذي يحل لغز الجريمة بذكائه بناء على التفكير والمنطق والفراسة والتخمين.

غير أن شهرة هذا النوع من الأدب استقرت على يد الكاتب الإنجليزي (أرثر كونان دويل) صاحب شخصية المحقق الأشهر في تاريخ الأدب البوليسي (شارلوك هولمز)، ثم تأتي روايات الكاتبة الإنجليزية الشهيرة (أجاثا كريستي) لتتربع على عرش ذلك النوع من الأدب.

ملخص الرواية:

في الرابع من أبريل 1968، تم استدعاء المحقق "كولبيون كريستيانسين" إلى 25 شارع "كريبس" حيث تم العثور على " هارالد أوليسين" السياسي المتقاعد وبطل المقاومة النرويجي ووزير حكومة ما بعد الحرب، مقتولا بالرصاص في شقته، وسرعان ما وقعت الشكوك حول ستة مستأجرين آخرين بالمبنى، فهناك "راندي هانسن"، زوجة حارس المبنى "أنطون، وكذلك الزوجان الشابان كريستيان وكارين لوند، والطالبة السويدية الشقراء سارة سانكيفست، وأندرياس جولستاد، الذي كان قعيدا على كرسي متحرك، ودبلوماسي أمريكي يدعى داريل ويليامز، وسائق سيارة أجرة يسمى كونراد جينسن.

لم تسفر المقابلات الأولية التي أجراها المحقق إلا عن معلومات قليلة نسبيًا. بينما الدافع والقاتل وسلاح القتل كلها غير معروفة.

يتم الاتصال بالمحقق فجأة من قبل صديق قديم للعائلة، والذي يطلب منه مقابلة ابنته باتريشيا البالغة من العمر 18 عامًا والتي تجلس على كرسي متحرك. تكشف شخصية باتريشيا عن ذكاء خاص وموهبة استخدام العقل والمنطق، لذا فهي تريد مساعدة المحقق في عمله.

وكلما توغلنا في القراءة ومع تتابع الأحداث، نرى أن كل شخص من المشتبه بهم تقريبًا لديه دافع للقتل. وتبدأ الروابط بينهم في النمو ويثور في ذهن القارئ التساؤل عما إذا كانوا جميعًا متورطين في الجريمة.

وتنفك تدريجيًا شبكة الأكاذيب المحيطة بهم من خلال أقوالهم المتضاربة في التحقيق والتي تنبأ بوجود قصص خفية قد تشين أصحابها ولا يرغب أحد لها في الظهور.

وبظهور أدلة جديدة، والتي تعود إلى أحداث وقعت في أثناء الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى العثور على مذكرات للقتيل، نكتشف أن الماضي لم ينتهِ بعد ويحمل الكثير من المفاجآت التي ما زال وقعها قائمًا، والتي كان لا بد من سبر أغوارها وحل جزئياتها التي تتضح تباعا حتى جلاء الخفايا عن آخرها ورفع الستار عن الجاني.

( غني عن القول إني تجنبت استعراض الرواية وأسقطت عمداً عرض تفاصيل فيها ــــ على الرغم من أهميتها في الاقتباس ــــــ حفاظاً على متعة التشويق التي هي حق القراء ).

قد يدهشك عنوان الرواية، ولكن تزول الدهشة عندما تصل إلى وصف باتريشيا مساعدة المحقق المشتبه بهم بأنهم "ذباب بشري" وتفسر ذلك قائلة “أنه هناك العديد من الناس الذين يمرون بشيء مؤلم وصادم في فترة ما من حياتهم ولا يستطيعون تجاوزه أبدأ، فيصبحون ذبابا بشريا، ويقضون الباقي من حياتهم نوعا ما وهم يدورون حول ما حدث لهم مثلما يدور الذباب حول جثة متعفنة فوق القمامة".

وهي لمحة دقيقة للغاية نحو محاولة تفسير سلوكيات الشخصيات، ويتم الإشارة إلى هذا المعنى في مواضع عديدة من الرواية تم اختيارها بدقة شديدة لتوفر للقارئ فرصة للتأمل والتفكر في دوافع الجريمة.

التحليل الفني:

إذا كان لكل نوع من أنواع الرواية قواعده العامة التي تحافظ على تماسكه وتميزه عن غيره، فإن أدبيات الرواية البوليسية تحدد لنا أهم العناصر التي تُبْنًى عليها، مثل المشهد الافتتاحي، الجريمة، مسرح الجريمة، المجرم، الضحية، المحقق، المشتبه بهم، الصراع، الأدلة المضللة وتحقيق العدالة:

المشهد الافتتاحي: نجح الكاتب منذ الأسطر الأولى في دمج القارئ في الحدث، بوصف المبنى والشقة " مسرح الجريمة "، ووصف الجريمة "جريمة الغرفة المغلقة"، ووصف الزمان، وكان التعريف بالشخصيات المشتبه بهم شديد الثراء ووضعهم كلهم في موقف الاشتباه، مما مكنه من جذب اهتمام وتركيز القارئ، فقلّ ما يبدأ أحد بقراءة الرواية ويتركها قبل أن ينهيها مرة واحدة.

أسلوب السرد:

- يتم سرد الرواية بضمير المتكلم بواسطة المحقق نفسه، الذي حاول التقاط أسلوب وروح أجاثا كريستي، فلدينا أحداث سريعة الحركة في الغالب، مع وتيرة مقبولة ومفاجآت تصعد الصراع.

- شاب هذا السرد أنه يتكرر مرارا على وتيرة واحدة، حيث يقوم المحقق "كولبيون كريستيانسين" بمقابلات مع المشتبه بهم، ثم استشارة باتريشيا، ثم العودة إلى مقابلة نفس المشتبه بهم ومن ثمً استشارة باتريشيا، وهكذا دوليك، مما يصيب القارئ ببعض الملل.

- ومع بداية الربع الأخير من الرواية يدرك القارئ من هو القاتل على الرغم من أن كريستيانسين يبدو غافلا، وباتريشيا صامتة والكاتب يحاول تضليل التوجيه، والنتيجة هي أن الربع الأخير بدا مفتعلا بعض الشيء.

- استخدم الكاتب بعض تقنيات السرد بالمزج بين السرد المباشر والحوار في رسم الشخصيات والكشف عن مواقفها من الحوادث، واستحضار الحلقات المفقودة منها، وكذلك الاستفادة منه في تطويرها.

- أجاد استخدام الوصف فوصف (مسرح الجريمة، وجلسة قراءة وصية القتيل ـــ والطبيعة عند الحدود بين النرويج والسويد).

- استعان بتقنية الأدلة المضللة أو "الرنجة الحمراء" وهو مصطلح مشهور في عالم كتابة روايات الجريمة ويشير إلى مغالطات أو مفاتيح مزيفة لحل الجريمة تقدم بغرض خداع المحقق والقارئ أحيانا وصرف وجوههم عن المجرم الحقيقي، عندما تم العثور على أحد المشتبه بهم ميتا في شقته المغلقة، ومصابا برصاصة في رأسه، وأمامه على الطاولة رسالة انتحار واعترافا بقتل " هارالد أوليسين".

- كما أنه استخدم تقنية الاسترجاع( Flash back ) عندما قام المجرم الحقيقي باسترجاع ذكرياته مع المجني عليه موضحا سبب إقدامه على الجريمة.

- المقابلات مع (مستشار السفارة الامريكية ـــ قاضي المحكمة العلياــــ أمين حزب العمال)، كانت سببا في بطء وتيرة الصراع، ولو تم حذفها لما كان لها تأثير على سياق الاحداث، وربما لكون الكاتب مؤرخا أردا أن يضيف للرواية بعدا تاريخيا.

- يلاحظ أن لغة السرد فاقدة للبريق الأدبي لا سيما في استعمال المفردات أو تركيب الجمل والفقرات والصور البليغة، وأعتقد أنه ليس مطلوبا من كاتب الرواية البوليسية أن يكون مهتما بتركيب الجمل وصياغتها بقدر ما هو مطالب بإظهار عنصر التشويق والحبكة في الرواية.

الحبكة الروائية:

الحبكة في الرواية متماسكة، وتعتمد على الحدث، فجاءت الأحداث مترابطة ومتماسكة بحيث أن الحدث الأول يؤدي إلى الحدث الموالي، واللاحق منها يعتمد على السابق، ولكنها لاتصل إلى حد الإبهار وحبس الأنفاس.

وتتكامل الحبكة بتقاطع الحكايات عن شخوص الرواية والتي تم تقديمها إما على لسان الشخصيات ذاتها سواء أثناء التحقيق معهم أو عن طريق الراوي نفسه. وأفلت من الكاتب حادثتين أرجع حدوثهما للصدفة (انتقال "كريستيان لوند" أحد المشتبه بهم إلى العيش في بناية "كريبس" مسرح الجريمة، واكتشاف سارة الشابة السويدية أنها تعيش في البناية نفسها مع بطل مقاومة قديم).

وختاما:

قد يرى البعض أنه بعد انتهائه من قراءة الرواية لم يتحصل على أي رسالة أو قيمة أراد الكاتب إيصالها للقارئ، وهذا حقيقي، ولكن من المعلوم أن تأثير أي نص يتحقق من خلال طيف واسع يبدأ بتحقيق المتعة دون تقديم أية رسالة. فالمتعة في حد ذاتها رسالة كافية في كثير من الأحيان، والرواية هي فن ترفيهي في المقام الأول، إن انتفى عنه ركن المتعة تهاوى مهما كان علوه. ثم ترتقي مستويات التأثير لتتخطى المتعة، وتمتد إلى الفكرة والرسالة، وقد تصل إلى التحدي وقلب الموازين وبلبلة الأفكار.

وقارئ القصة البوليسية يجد لذته في البحث عن الأسرار وحل الألغاز. ولا شك أن هذه الرواية قد وفرت له قسطا من اللذة التي تبعث السرور في نفسه.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق