ذبابة بشرية > مراجعات رواية ذبابة بشرية > مراجعة Ebtisam

ذبابة بشرية - هانز أولاف لهلوم, يارا أيمن
تحميل الكتاب

ذبابة بشرية

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

تأت الرواية في إطار تاريخي بوليسي يجذب القارئ منذ الصفحات الأولي. الخط السردي للرواية يستخدم الفلاش باك فنبدأ من النهاية حيث حادثة القتل ثم نعود من خلال التحقيقات لأوقات سابقة لنتقصى القاتل ونتتبع أثر القتيل بين من عرفوه بينما يقدم لنا الكاتب نبذات عن النرويج وقت الحرب العالمية الأولى والجهات المتصارعة من محتل نازي ومقاومة.

تتمتع الشخصيات التي يقدمها الكاتب بعمق يظهر نفسه من خلال طبقات السرد المتعددة التي يجتهد المحقق في كشفها مرة تلو الأخرى فتنكشف أبعاد الشخصيات، فمثلا نرى سائق التاكسي الفقير والبائس ثم يضاف لذلك البؤس طبقة أخرى من الأبعاد فنرى ماضيه السياسي وأيدولوجيته. يستمر التكشف حتى بعد موته ونرى جانب من حياته في روايته الغير منشورة والتي لا تضيف فقط بعدا أخر للشخصية ولكن للحكاية. مثل تلك التكشفات تتبع العديد من الشخصيات والتي أعتبر أن أكثرها إثارة وعمقا هي شخصية سارة. لا تكشف شخصية سارة كل أبعادها من خلال السرد مما يترك لخيال القارئ المساحة في تخيل بعض تلك الأبعاد فلا نعرف على وجه الدقة ما تعرفه ومالا تعرفه. لا نستطيع الجزم بأي شيء حول سارة فهي بريئة تارة ومغوية تارة أخرى.

أتت شخصية باتريشيا منذ اللحظة الأولى لتقديمها بهالة يصعب الهروب من سحرها. فمنذ مولدها نرى شخصا استثنائيا، يناقض في ذكاؤه واستثنائيته شخصية المحقق البليد الذي لا يستطيع الربط بين نقطتين متجاورتين بمفرده. الدور الذي تقدمه باتريشيا للسرد يماثل الدور الذي تلعبه سارة في تقديم العديد من النساء بصورة ذكية ولامعة تتفوق على الرجال فلا تستطيع إنكار دورهن الثوري أو الاجتماعي. فهن قادرات على حياكة المؤامرات وحلها في الوقت نفسه.

يحسن الكاتب خلق حبكته الدرامية فلا نتوقع القاتل حتى تتقدم الرواية كثيرا، فهو يخلق الدافع تلو الآخر لكل الشخصيات فيظهر القتيل محاطا بالعديد ممن يرغبون في موته نظرا لأدواره وشخصياته المتعددة مما يشتبك مع فهم النفس البشرية وثقافة الكاتب كمؤرخ. فهو لا يستطيع أن يرى التاريخ أو الشخصيات التاريخية بيضاء تماما أو سوداء تماما فدائما هناك منطقة رمادية داخل الانسان حيث يختلط الخير بالشر. فالبطل القومي كان على علاقة غير مشروعة بفتاة نازية والشاب المكافح هو مبتز بلا رحمة والفتاة اليتيمة هي مغوية لعوب. أيضا لم يشيطن الكاتب الجنود النازيين تماما فنرى الجندي الشاب يطمئن الفتي الصغير ويعتذر له لاحقا وهو ما يتماشى مع رؤية المؤلف بأنه لا خير مطلق ولا شر مطلق داخل النفس.

يشتبك المؤلف مع النفس البشرية أيضا منذ البداية وعبر العنوان فيقدم تأثير تروما الحرب في تشكيل الأشخاص وخلق مستقبلهم فنرى العديد من الشخصيات غير قادرون على تخطي مآسيهم الشخصية وما فعلوه بالحرب أو ما فعلته بهم. فسارة تدور في فلك نسبها وتاريخ عائلتها مثلها مثل السيد لوند والذي لا يتخطى أبدا طفولته الصعبة وتخلي والده عنه. يدور كل من شارك في الحرب حول فلكها فحيواتهم توقفت هناك رغم مرور الزمن. يشابه هذا السرد الوصف الطبي لكرب ما بعد الصدمة وهو أمر شائع ومفهوم تماما في الحروب. فاكتشاف مفهوم كرب ما بعد الصدمة أتى في ظروف مشابهة حيث عانى العائدون من الحرب من خلل وظيفي يمنعهم من استكمال حياتهم بشكل طبيعي فتهاجمهم الذكريات كدوامة لا يمكن الخروج منها. يسلط الكاتب الضوء على هذا الاضطراب بشكل غير مباشر فنرى حيوات مدمرة لم تتخط الحرب ولم تفلح في التجاوز والنسيان. في النهاية يقدم الكاتب تاريخ قصير عن عمته التي نرى أجزاء من حياتها متناثرة بين الشخصيات المختلفة، فتتشابه مع كل من دمرتهم الحرب نفسيا وتركتهم في ساحاتها رغم انتهائها.

يربط الكاتب بين الشخصي والعام وبين الخيالي والواقعي فيقدم رواية متعددة الابعاد والشخصيات تأخذ القارئ في رحلة مثيرة في تاريخ وجغرافيا النرويج دون ملل رغم طولها.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق