البحث عن وليد مسعود > مراجعات رواية البحث عن وليد مسعود > مراجعة Rudina K Yasin

البحث عن وليد مسعود - جبرا إبراهيم جبرا
تحميل الكتاب

البحث عن وليد مسعود

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

الكتاب رقم أربع وثلاثون /2025

البحث عن وليد مسعود

جبرا إبراهيم جبرا

القراءة الثانية الأولى 2023

"" كان ثمَّة عصر وانقضى! كلَّما عاد ذهني إلى العشرينيَّات، وتذكَّرت كيف تحوَّل عاشق الحصان إلى سائق سيَّارة، وكيف هجر القنبان ولبس البنطلون، أرى النقطة التي تحوَّل عندها الزمان. ويوم جاءه أخوه المهاجر سعيد الفرحان، وأقنعه بالرحيل معه إلى كولومبيا"

"" لست أدري! قلت لكِ مرَّة إنَّ الخيال والواقع، بالنسبة إليَّ، متبادلان في أكثر الأحيان، ثم إنَّك ما عدت شيئًا خَلَقه وهمٌ فنتازي (كما حسبت ذات مرَّة): إنَّكِ حقيقيَّة كالخبز الذي آكل كلّ يوم لقد أحسستك من الداخل واحتويتني في كيانك (أتملَّق نفسي بهذا القول)، واحتويتك في كياني والآن يحدث هذا الشيء الجديد؛ هذا الشيء الرائع، المحيِّر، الملحّ نعم، كما قلت أنتِ، علينا أنا وأنت يومًا أن نكتب معًا كتابًا عن الحبِّ، كيف أنّنا عن طريق الفرح نبحث عن العذاب، وكيف أنّنا عن طريق العذاب نهلِّل صاخبين لربِّ السماء والأرض إذا لم تفهمي أنتِ هذا، فليس هناك من يفهمه لكنَّك""

جبرا إبراهيم: مواطن تلحمي من مدينة بيت لحم عاش في العراق له العديد من الكتب أبرزها شارع الاميرات والبحث عن وليد مسعود ولن اتحدث عن الباقي لأنني لم اقرئه، لكن عند الحديث عن وليد مسعود فنحن نقرأ لكاتب كان يبحث عن الوطن والإنسان فالسؤال المهم الذي يطرحه جبرا عبر صفحاته 429 هو " الوطن " لقد وجد المثقف الفلسطيني كل شيء لكنه عجز عن إيجاد الوطن.

المثقف الفلسطيني هو نتاج احداث القضية الفلسطينية منذ النكبة 1948 مرورا بالنكسة 1967 والان عصر الإبادة 2023-2025، كان الثمن لكل ذلك هو تشريد شعب وقتله وسلب ارضه منه حيث أصبح الفلسطيني مثل حجر النرد يجاذبه الجميع وعليه وحده ان يدفع الثمن لقد وجد جبرا نفسه كما وجد وليد نفسه، حيث أصبحت حياته كلها في الخارج لأنه أساسا وخارج التجربة والوطن.

نحن نعيش في نكبة طويلة نكبة فاقت كل ما مربه الشعب الفلسطيني، فلو عاش جبرا الى يومنا هل كان سيكتب ما كتب؟ سيدخل في عجز او اكتئاب سيهجر الكتابة مثلا ---.

القراءة في البحث عن وليد مسعود أشبه بالبحث عن

التوازن ، ذلك التوازن الذي يخلخل المشي ثم يستقيم الجسد ثم يعود ليتخلخل بصعود وهبوط ممنهج يفضيان إلى عدم استقرار كان هدفه الأول هو بث روح الشك الدائم في النفس والبحث دائما عن الأصول وتعرية الأحداث مما يعلق بها من شوائب وأوهام وتقولات ، كما كان د.جواد يريد ان يفعل في كتابه عن وليد مسعود، أراد ان يزيل كل ما علق في حياة وليد وتاريخه من ما يعكر صفوها ليصل إلى المركب الأساسي والجوهر الأخير في حياة وليد التي اعتبرها غامضة ومليئة بالمفاجآت والتي تبطن أكثر مما تظهر .

" الكل كان يبحث عن "من" وليد مسعود لا "أين" وليد

مسعود، في الحقيقة وليد مسعود لعله أقرب ما يكون لملامسة سيرة الكاتب جبرا نفسه الفلسطيني المقيم في العراق البرجوازي الذي يحاول أن يكون أحد مفاصل النضال الفلسطيني في داخله فمثّله على الورق بشخصية مناضلة ومساعدة للمناضلين الممثلة بابنه مروان. وليد مسعود في الرواية هو حديث الذات وصراع الآخر، هو نقطة الالتقاء لدى كل الشخصيات ونقطة انفصامها. إنه الفسيفساء البشرية، التي شكلتها ألسن الرواة.

الرواية تصنف انها الجزء الثالث والمهم من السيرة الذاتية فجبرا هنا من خلال البحث عن وليد، بحث عن نفسه وتجربته في جوانبها الاجتماعية والثقافية والروحية والسياسية معا، وحاول تجسيدَها في هذه الرواية وفي رواياته الأخرى، بخاصة "البئر الأولى" و"شارع الأميرات"، وكل رواية تُكمل الأخرى، وعرض لنا، في سردية متنقلة بين المكان والزمان والأشخاص، تلك السيرة العريضة الحافلة بوقائعها ومتاهاتها، منذ نزح من بيت لحم، وهو صغير، ومنذ جاب في شبابه بلادا لم يعرفها، وعاش صراعاتٍ حادّة في فكره وقلبه. وبدت تلك التجربة، هي أساس المثقف الفلسطيني.

وفي تقمّصه شخصية وليد مسعود، نجد خيار جبرا واضحا، الوقوف على المسافة صفر بين رؤيته للمرأة الأنثى الرقيقة كوطن والوطن الأول الذي حمل طموحه وأحلامه ومشروعه الروائي. وقد كشف لنا عبر عديد من المقاطع الرمزية في رواياته عن عمق تعلّقه بقضيته. خذ مثلا مقطع ترك "وليد مسعود" سيارته على طريق بغداد - دمشق الصحراوي، واختفائه في لا مكان، وعدم تمكّن أقرب الناس إليه، من أصدقائه وحبيباته من ملاحقة أثره. وهنا تبدو رمزية الاختفاء في الصحراء، وعلى الطريق بين عاصمتين كانتا في حينه تتجاذبان مشروعا قوميا واحدا، ينظر إلى فلسطين أنها قضيّته المركزية ومحور فاعليته. وقد برز لاحقا جانب آخر مثلته رمزية الاختفاء، هو رمزية انقطاع التواصل بين بغداد ودمشق، بما يعنيه من انكفاء المشروع القومي، وتراجع القضية التي شكّلت مركز اهتمامه ومحور فاعليته.

فهل ستكون الإبادة التي تحصل الان معبرا للوطن ام انتهائه؟ لو أردنا عكس كتابات جبرا على الوطن حيث تبقى مدينة بيت لحم في القلب وفي العقل، فيما تظلّ بغداد مركز البصر والحياة، وتحضر الأنثى كما تحضر فلسطين، كلتاهما وطن. وعلى قاعدة "السرد المراوغ" لا يتردّد وليد في الاستغراق في الذكريات، معتمدا ليس على تاريخه الشخصي، بل وعلى تاريخ وطنه الأول أيضا، وأيضا على تاريخ وطنه الأكبر. ولعلّنا مرّة أخرى، نحن الذين عشنا مع "وليد مسعود" آماله وأمانيه، وصور خيباته، هنا مع وليد ورمزية الرواية في البحث عن الفلسطيني منذ 1948 الى 09/08/2025 فجبرا حاول البحث من خلال نكبتين ولم يكن يعلم ان الثالثة قادمة وانها اخذت كل ما هو جميل ، فلم يعد هنا أي شيء لنبكي عليه وخاصة زاوية الفلسطيني المثقف والبرجوازي وهو ما يحملنا إلى أن نعيد تركيبها في سياقات جديدة.

يحاول جبرا وحاولنا تكوين شخصية فلسطينية باعتبارها نتاج ماض مبدئي، يحيلنا إلى التكوين الأولي قبيل الاقتلاع، على شكل ذكريات من المدينة الأولى بيت لحم

فهنا مدينة فخيمة ، بقاء فاقتلاع صمود كاذب لنكبة

جديدة ، لقد حدد جبرا ثلاث صياغات للرواية الاقتلاع والتهجير والمقاومة والصمود نجحت الأولى وضحك على الفلسطيني في الثانية والثالثة وما يحصل في غزة خير دليل .

الاقتلاع والمقاومة والحياة. فوليد يختفي على الحدود تاركاً سيارته، وفيها آلة تسجيل تحتوي على كاسيت يحمل شبه شهادة، وهذا كناية عن المشتتين العالقين بين بين الوطن وعدمه، فهو من منفاه في بغداد، لم يكن كائنا عابراً، ولبيته كان مقيما فالفلسطيني مشكلته وطن لم يسمحوا له بالعيش فيه بأمان ولم يتمكن من نسيانه بالخارج.

رواية الشّتات الفلسطيني ترتكز على الأجيال وروايات الاجداد، كما تؤكد كافة الدّراسات الخاصة بآداب الشّتات، ولهذا نجد امتداد شخصية «فرحان» والد وليد كما هنالك المستقبل المتجسد عبر شخصية الابن «مروان»، وبينهما يحضر وليد الذي يسرد أحداث طفولته، وبوجه خاص عندما يقرر الانقطاع هو وأصدقاؤه في كهف بهدف التعبد، هذا المسعى جاء رغبة بتجاوز العالم، أي تحقيق أفعال من التواصل الروحي القائم على النظرة الدينية غير أن تلك الحادثة أنتجت درساً مفاده أن هذا العالم هش، ولا مكتمل، وهذا يحملنا إلى قيمة التنازع بين قوتين متضادتين: واقعية ومثالية مفرطة، ولعل هذا يتصل بهول الشّتات، وصدمته التي انبثقت واختبرت مبكراً عبر تلك الحادثة التي تحيل إلى التعلق بالماضي، وأسئلة المستقبل ما أنتج بالمحصلة شخصية متفوقة ومعقدة.

وأخيرا أراد الكاتب الإجابة عن سؤال الوطن لان الإجابة عنه تقودنا الى التوازن العام في حياة المثقف الفلسطيني ذلك التوازن المتقلب بتقلبات الاحداث بصعود وهبوط مثل الفلسطيني تراه يتصدر نشرات الاخبار او بعيدا عن كل البعد عنها، لان الفلسطيني يبحث عن أصله وجذوره وهو ما أراد جبرا او وليد الوصول اليه والابتعاد عن التشكك، أراد ان يزيل كل ما علق في حياته وتاريخه من ما يعكر صفوها ليصل إلى المركب الأساسي والجوهر الأخير.

لقد كانت حوارات الأشخاص متقلبة لم يحاولوا معرفة مكان وليد بل من هو وليد من خلال أسلوب المذكرات والرسائل بحيث تقدم لنا جوانب مهمة من حياة وليد بالتوازي مع إظهارها لتأثير شخصياتها على وليد او تأثير وليد عليها إن صح القول. لقد كان وليد مسعود كالبؤرة التي تربط كل شخصية بمحورها وبمجرد اختفاءه تشظ هذه الشخصيات وانفلتت من عقالها باحثة عنه في دواخلها أولا وفي الواقع المعاش ثانيا، من مريم الصفار لإبراهيم نوفل لعامر عبد الحميد لكاظم لوصال "شهد" والكل بلا استثناء كان يقيّم وليد حسب ما كان وليد يضعهم في أحجامهم كانوا يرونه كما أراد لهم هو أن يروه.

"بعد أن يقول الأشخاص ما يقولونه، بعد أن يبرزوا عن تصميم أو غير تصميم ما يبرزونه ويخفون عن تصميم ما أو غير تصميم ما يخفونه، يبقى لنا أن نتساءل عمن هم في الحقيقة يتحدّثون؟ عن رجل شغل في وقت ما عواطفهم وأذهانهم أم عن أنفسهم، عن أوهامهم وإحباطاتهم وإشكالات حياتهم؟ هل هم المرآة وهو الوجه الّذي يطلّ من أعماقهم أم أنّه هو المرآة ووجوههم تتصاعد من أعماقها كما ربما هم أنفسهم لا يعرفونها؟" ص363

وليد مسعود لعله أقرب ما يكون لملامسة لسيرة الكاتب جبرا نفسه الفلسطيني المقيم في العراق البرجوازي الذي يحاول أن يكون أحد مفاصل النضال الفلسطيني في داخله فمثّله على الورق بشخصية مناضلة ومساعدة للمناضلين الممثلة بابنه مروان. وليد مسعود في الرواية هو حديث الذات وصراع الآخر، هو نقطة الالتقاء لدى كل الشخصيات ونقطة انفصامها. إنه الفسيفساء البشرية، التي شكلتها ألسن الرواة وهو متن الرواية..

.

.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق