عهد دميانة > مراجعات رواية عهد دميانة > مراجعة Mohammed elshokhaiby

عهد دميانة - أسامة عبد الرءوف الشاذلي
تحميل الكتاب

عهد دميانة

تأليف (تأليف) 4.6
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

مراجعة كتاب

عهد دميانة

تأليف : د.أسامة الشاذلى Ossama A. Elshazly

صدر عن دار الرواق للنشر والتوزيع - Al Rewaq Publishing ٢٠٢٣

النوع : تاريخية /فلسفية

400 صفحة.

اللغة: العربية الفصحى سردًا وحوارًا.

الكاتب: أستاذ جراحة العظام، تخرج فى كلية الطب بجامعة عين شمس عام 1998.

نحن أمام عمل إبداعى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أنا فى حيرة! لا أعرف من أين أبدأ !! هذه أول رواية أقرأها للكاتب، لم يحالفني الحظ لقراءة روايته الأولى "أوراق شمعون المصرى"، إلا أنى فور الانتهاء من كتابة هذه المراجعة سأقوم بالبدء في قراءتها، لتأثرى وإعجابى الشديد بأسلوب الكاتب الممتع الشيق وكلماته التى تهز الوجدان وتثير فى العقل ألف سؤال وسؤال، والعرض المختلف والموضوع المتميز، رواية تختلف عن السائد بالسوق، مليئة بمشاعر اليتم والأسر وفقدان الأمل، حواراته حوارات روحانية جلية متعمقة يغلب عليها الأفكار الصوفية.

من حيث المكان: الأحداث تقع فى ولايات مصر الأربعة، يأخذنا الكاتب إلى مصر الفاطمية بمبانيها وشوارعها وقُراها وأسواقها.

من حيث الزمان: أواخر حكم الدولة الفاطمية من 1161:1146 ميلاديًا.

يحكي الكاتب بروايته عن حقبة من التاريخ المصرى القديم أيام الفاطميين، وما اشتهرت به تلك الفترة من مكائد أمراء القصر والصراع على السلطة، انتقل بنا بين إمارات مصر الأربعة من الفسطاط والاسكندرية وقوص ودمياط، ويروى لنا ما حدث فى هذا العصر من الفتن، والتى سادت لسنوات عديدة. أرجعنا لزمن الماضى بكل معالمه بجماله وقبحه من جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية.

تظهر جرأة الكاتب فى عرضه لمشاكل المجتمع المصرى القديمة، وكأنها إسقاط لما يحدث الآن من حب للدنيا والبعد عن الدين، والفتن بين المسلم والمسيحى، بل تطرق إلى الصراع المذهبى داخل الديانتين، وعدم الأمان فى الأرواح والأموال، وكأنه يؤكد على مقولة من لا يقرأ التاريخ لا يفهم الحاضر ولا يستشرف المستقبل، ويؤكد على أن فنّ التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد، شريف الغاية.

غلفها الكاتب داخل قصة جميلة أراها من وجهة نظرى أنها أرجعتنى لزمن عمالقة الأدب المصرى نجيب محفوظ وعباس محمود العقاد ويوسف إدريس وأنيس منصور، فها هو يظهر لنا بقصة دميانة كطفلة يتبعها بقصة (وسن) التى تربيها بعد وفاة والدتها يوستينا، وبين قصص تلك السيدات يظهر يوسف مريبًا مخادعًا غريب الأفعال مرة يهرب ويتخفى، ومرة نجده نبيل وعطوف، يوسف الذى يرجع نسبه إلى أم قبطية وأب مسيحى ملكانى وسيده مسلم سنى، وخليفته مسلم شيعى.

يحكى الكاتب قصة يوسف، دومًا لديه شكوك وعدم يقين من كل شئ، نفسه لا تهدأ ولا يدرى ما مذهبه، تجمعه قصة حب مع الجارية يوستينا، يظهره الكاتب كعاشق يعوضها زوجها الغائب عنها.

وقصة (وسن) التى تعيش مع والدها ويرغب فى أن يزوجها ابن عمها، وهى تريد البتولية، يوسف يظهر لها فى رحلة هروبه من أعدائه يظهره الكاتب كملاك أرسله الرب إليها لتهرب معه.

ويمشى معنا الكاتب فى تركيبة صعبة ولكنه نسجها نسيج العنكبوت لبيته، دميانة بنت يوسف إبن ورد أخت إبراهيم صديق مينا أبو وسن إبنة عم بطرس، وأمها يوستينا جارية نصر ابن عباس ابن زوجة على بن السلار، الذى وهبته ولده الحسين (أخو دميانة)، تعتقد لوهلة أنك دخلت متاهة ولكن على العكس تظهر معالم القصة واضحة نتيجة الأحداث الشيقة والشخصيات التى تتحدث عن نفسها بكل مشهد.

كأنه كتبها على نار هادئة فظهرت لنا الرواية كدراما تاريخية مشبعة بالشخصيات والمواقف والأماكن والمشاعر والأحاسيس، وعرض أهم القيم السائدة فى المجتمع المصرى فى العصر الفاطمى، ورأيه فى فترات حكم بعض الخلفاء الفاطميين بمصر، يبرهن أهمية دور المرأة فى ذلك العصر، والصراعات الداخلية والاستعانة بالقوى الخارجية وعلاقة الخليفة بالشعب.

تظهر لنا الشخصيات متنوعة ما بين الأطفال والنساء والشيوخ، كأنك على مسرح كل ممثل يسلم زميله بانتقال سلس وممتع، وصفه الممتاز لشخصياته وربط عجيب بين الأحداث والترابط بين الشخصيات كأنه فيلم هندى محكم الحبكة، يُدخل الشخصيات بسهولة ويخرجها من الأحداث بنفس السهولة مثل: استخدامه لواقعة الطاعون التى ماتت بسببه يوستينا.

صفقت بكلتى يدى أكثر من مرة للكاتب أثناء قراءتى لبراعته فى الجمع بين شخصيات الرواية على الرغم من الأحداث التى أبعدتهم وهم صغار، وكأنه مخرج مصرى له رؤية يجعلك تنبهر، فبعدما خطفت ورد أخت إبراهيم وتزوجت وأنجبت يوسف فنجد كيف غزل الكاتب نوله بجمع شمل يوسف مع خاله إبراهيم فى حميمية نفتقدها كثيرًا.

السرد بطريقة جذابة لا تريد أن تترك الكتاب أو أن يغيب نظرك عن الكلمات، سيحبها طالب الثانوية العامة قسم علمى علوم والذى بعد عن التاريخ لرتابته.

الحوارات شيقة، والتدقيق اللغوى ممتاز، ليس كتاب تاريخ ولكنه غمر كلمات وأحداث تاريخية بالرواية بأسلوب روائى، يمتلك الكاتب مفردات لغوية عميقة.

تتكون الرواية من عدد (78) مشهد، ولكنك لن تتوقف من الانتهاء منها فور الانقضاض عليها، ستشدك كالبحر الغدار حين يسحب غريقه.

وصف رائع لحياة القصور والحريم والحراس والحدائق، وشخصيات مثل الحراس والحسبة والبصاصين، ووسائل الاتصال من الحمام الزاجل، وما بتلك القصور من دسائس وضياع للعدل، وخيانة للشرف والعهد والغدر والطمع والفتن والخيانة فى ذلك العهد.

أكثر ما أعجبني هو أسلوب الكاتب في عرضه لبعض المشاهد بالرواية طريقة عرض يأخذ عليها جائزة أوسكار أحسن عرض ومنها:

- مشهد خطف ورد من عصابة القبجاق التركية.

- مشهد اختلاء يوستينا بيوسف بأسلوب مستتر لا يخدش الحياء.

- مشهد يوسف ووسن.

مشاهد تعلق بالذاكرة.

تضمين الكاتب لبعض الجمل التي تحمل طابع الحكمة لعكس حقائق عن الوضع الذي نعيشه في الواقع مثل:

(1) الزهد هو رفاهية القادر، وقدرُ العاجز.

(2) يرى الناقص اكتماله فى قهر من عطف عليه.

(3) قول الحق يحرر الإنسان، ويحرر خيال الناس أيضًا، فيصنعون الأمجاد لمن ينطق به حين تخرس الألسنة، ولكنهم يصنعونها عادة بعد أن يصمت إلى الأبد.

(4) كلنا نروم العدل، ولكننا نخطو إليه على طريق من الظلم، إما أن نظلم أنفسنا، أو نظلم الآخرين.

(5) كم من المخزى أن يبوح لك الأشخاص بأشياء انتظرتها، وحينما تأخرت فقدت معناها ومضمونها.

(6) اللعنة على المحب حين يفضى عينيه على قذى الشوق فيعيش كفيفًا متخبطًا فى أوهامه.

رفع الكاتب من خلال كلمات الرواية عدة شعارات منها (استفتي قلبك – الله محبة).

أنهى الكاتب روايته بانقشاع غيوم الشك والاطلاع على كل الأسرار وكلمات يوسف إلى ابنته دميانة فى وصيته التى حملت معان كثيرة، وأهمها ألا تفارق أخاها الحسين فكلاهما يحمل شطرًا من حبيببته يوستينا ولن يبلغا الكمال إلا سويًا.

حزنت عند انتهاء الرواية بأحداثها، ولكنى أعتقد أن بعض مشاهدها لن تغيب عن ذاكرتى.

إلى الملتقى في مراجعة أخرى

د.محمد الشخيبي

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق