في حضرة العنقاء والخل الوفي > مراجعات رواية في حضرة العنقاء والخل الوفي > مراجعة Mohamed Khaled Sharif

في حضرة العنقاء والخل الوفي - اسماعيل فهد اسماعيل
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

يقول أحد الشعراء أن المستحيلات ثلاثة؛ الغول والعنقاء والخل الوفي.

ويخبرنا إسماعيل فهد إسماعيل بأن أثنين منهم سيحضروا بروايته، فنخطو تجاه روايته متوقعين أن تكون مليئة بالأحداث الخيالية، احتمالية وجود رحلة رمزية، أو حكاية أسطورية، لنكتشف أننا مع الواقع الذي يكاد أن يكون في ذاته خيالاً، فكيف يكون كل ما مر به "منسي ابن ابيه" أمراً عادياً وواقعياً؟ كيف ينجو المرء من الحياة؟

وجد "منسي" من اسمه نصيباً في الحياة، ولد لأم كويتية الجنسية، ولكنه بدون، لم يمقت حياته بل ظل فيها سائراً بلا توقف، أينما تضعه الحياة يسير، لا كلمة له على حياته، لا توجد رفاهية الاختيار بها، خط سير واحد لا يملك إلا أن يسيره، حتى التوقف ليس متاحاً، فقط السير وإتخاذ اللازم من الاحتياط لتقليل الأضرار، للنجاة، من حياة صعبة ومريرة، حياة كل ما فيها صعب حتى البديهي منها، العمل والسكن والزواج والدراسة، أي حركة يخطوها تحتاج العديد من التصاريح اللازمة والعديد من الصعوبات التي يجب أن يُذللها.

يحكي منسي حكايته في منتصف خمسينيات عمره، يحكي لابنته "زينب" التي لم يراها ولا مرة! يحكي حكاية تُشبه الأساطير، ويا زينب كم كان والدك صلباً، كم كان والدك مُتحملاً لكل القسوة التي واجهها، حكى لها عن لقاءه الأول بأمها "عهود" التي سحرته، وسحبته، أرادته فاستجاب، خنع لها، تملكته قلباً وجسداً، لم يكن يعلم أن غايتها تُبرر وسيلتها، ولكن عهود يا زينب، كويتية الجنسية، وأنا بدون، واجه مصاعب عديدة، تتمثل في الخال، سعود، كان يحتقرني، كان لا يراني، كأنه يملك شيء، وأنا بدون. ولكن يا زينب، لكم كنت أتمنى أن خالك فقط هو الشخص الوحيد الذي علي أن أقلق بشأنه، لم أكن أعلم أن الحياة تُخبأ لي أكثر مما تُبدي، على الأقل خالك كان يُظهر لي دائماً ما يشعر به تجاهي.

أحياناً يُعجبك في رواية أسلوبها، شخصياتها، أحداثها، سرد الكاتب، من النادر أن تجدهم كلهم مجتمعين في رواية واحدة، من الأساطير كالغول والعنقاء والخل الوفي، وإكمالاً لحضور الأساطير، نجد رواية بهذا الإتقان، من أول صفحة تعرف أنك على موعد مع رواية لا مثيل لها، سرد مختلف لم أقرأ مثله من قبل، قطعة واحدة من السلاسة والدهشة، تدخل الحوارات بداخل السرد، يتنقل من سارد إلى آخر ومن شخص إلى آخر بنفس السطر ونفس الجملة، دون الشعور بأي ملل أو ارتباك، تتملكك الدهشة وأنت تقراً، ولا تعرف أهي دهشة الأحداث، أم دهشة السرد المتلاعب والذكي والذي استغل كل الفرص لكي يُبهرك فتكون الرواية غنية بسردها أيضاً، وليس فقط تقلبات الأحداث وسودوايتها، وتضافر الحكاية، فصول سرد الغزو العراقي للكويت كانت مُبهرة ودقيقة، تفاصيل شديدة الخصوصية، تناسب موضوع الرواية ولا تعرف أهي الحقيقة أم الخيال؟ وكلما تظن أن السرد والأحداث وصلت القمة، تجد ما يليها يبلغ قمة أعلى من التي سبقتها، إسماعيل فهد إسماعيل، هذا كاتب لو اكتفى بهذه الرواية لكفى ووفى.

هذه الرواية هي خير ممثل للتاريخ الفني والأدبي للكويت، ولا يأتي ذلك فقط من قيمة وأهمية الرواية، ولكن أيضاً من الشخصيات الحقيقية التي ادرجها الكاتب كشخصيات مُتخيلة وتضافرت بداخل النص، فأصدقاء منسي جميعهم معروفين، مخرجين وكتاب وقضاة، كأنه يجمع تاريخ الكويت، في محاولة للتضافر، كأنها تذكرة لما مروا به وعانوه، وكأنها تحية إجلال وتقدير لشخصيات أثرت في الوعي الثقافي والأدبي الكويتي، فكانوا بمثابة الخل الوفي في الحكاية، ولمنسي، كانوا خير السند والتعريف الحقيقي للوفاء والتقدير. الرواية تحتوي جنسيات عربية عديدة، كويتية وعراقية وفلسطينية، تذكير بالمعاناة العربية على مستويات عديدة، لم تحاول شيطنة جانب على آخر، بل كانت تقف أحياناً بجانب من شيطنهم الجميع، ففلسفة الرواية أن للكل حكاية، فلو سمعتها، لربما تغير رأيك وربما لا.

ختاماً..

بكل تأكيد رواية "في حضرة العنقاء والخل الوفي" هي واحدة من أفضل الروايات العربية التي قرأتها في حياتي، رغم أنها رواية ضخمة ودسمة، ولكنك بمجرد ما تدخل عالمها السحري، ستنجذب لها ولا يسعك فقط إلا أن تتذوق جمال سردها، وتلعن واقعيتها الحزينة، ويكون منسي ابن ابيه/ حنظلة الكويتي، بمثابة رمز للمعاناة والقهر، رمز للصمود والبأس، وأن نكون نحن من نجعل منسي، غير منسياً.

بكل تأكيد يُنصح بها.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق