حيدر بن زرع النيل: صفحات سوداء في التراجم والأخبار > مراجعات رواية حيدر بن زرع النيل: صفحات سوداء في التراجم والأخبار > مراجعة Sylvia Samaan

هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

أسرة جنوبية في ضيافة القاهرة!

زرع النيل الجنوبي الميلاد والنشأة وقد اختطف ولداه حيدر وحمزة من غرباء - بعد أن تاها وتوغلا في المسير أثناء مطاردتهما لغزالة - تمهيدًا لبيعهما هما وغيرهما لخدمة المماليك.

بالطبع قبل عملية البيع تتم عملية الخِصاء بالمبضع في زمن قلت فيه العناية الطبية تعاظم الألم وحميت سخونة الحمى فلم يحتملها حمزة في فترة التعافي ومن ثم أصبحت فترة احتضار!

فخسر حيدر أخاه أمام عينيه لكنه تيقن من أن أخاه فضل الموت بتجنبه الطعام والشراب على الحياة وهو في خدمة أحدهم!

ولولا تكرار الخسارة وخشي التاجر أن يخسر بضاعته بالكامل، حينئذ توقف عن استكمال خصاء البقية، ولولا خشيته من الخسارة؛ للحق حيدر بأخيه! وكان هذا من لطف صنيع الله.

استطاع الأب زرع النيل من اللحاق بولديه فلم يجد سوى جثمان الصبي الأكبر بينما فتح ذراعيه محتضنًا الأصغر، حيدر.

لم يُرد زرع النيل العودة لدياره وفضل الترحال لمصر، ومن هنا نقتفي أثر عائلة حيدر المتصف دائمًا بالاعتداد بالنفس والمتفاخر بأصوله الجنوبية والمحب لمصر وأهلها.

والتقرب من أسرته الصغيرة حيث الابن كافي وأبناؤه سر النهر وزينة الوادي. وعيشهم على ذكرى الأحباء الذين ارتحلوا حيث وفاة الجدة دار النعيم وأم سري، ميمونة.

هل لاحظتم عذوبة الأسماء! هل لاحظتم تفردها ووقعها الرنان على الأذنين!!

الرواية لم تنقل لنا ملابسات هجرة أسرة جنوبية وعيشهم بالقاهرة ومعايشة أهلها والانصهار بينهم وإنما أيضًا معايشة لحدث من أشد الأحداث وقعًا ورهبة في تاريخ مصر الحديث.

حيث آخر زمن المماليك والمؤامرة شديدة الحبكة التي حاكها محمد علي باشا في التخلص من المماليك والبكوات والفتك بهم كبارًا وصغارًا، فهو يعي تمامًا أنه لو لم يأخذ تلك الخطوة لكان المماليك سبقوه وأخذوها هم تجاهه!

فبعد صلح زائف بين الباشا وشاهين بك والمماليك الألفية، تم دعوة المماليك والبكوات كافة لتوديع الحملة العسكرية المتجهة للحجاز بقيادة الأمير طوسون القضاء على حركة محمد بن عبد الوهاب.

حتى سيدة المماليك وأمهم نفيسة البيضاء وقد اختبرت من قبل خيانة ومكر المؤامرات حتى قُتل أزواجها، تتحدث عن مخاوف الباشا من دسائس المماليك، فكلٌ منهم ينصب الفخ للآخر وما إن يوقعه حتى يصير بقرة تكثر السكاكين حوله.

نقف بمحاذاة سر النهر وعبد القادر الأزميري في رحاب مكتبة الجبرتي بمنزله لننسخ ما يمليه علينا بعد تفكر في الكلمات والتقصي وراء كل حدث ما لم يراه بأم عينيه.

نجح الروائي الفريد من نوعه والمتمكن تمامًا من أدوات الكتابة في جعل المشاهد ثلاثية الأبعاد أقرب للواقع من خلال لغته شديدة الثراء، حيث استخدم فصحى رصينة في السرد وعامية راقية في الحوار.

وشخصيات كما التضاد يبرز المعنى ويقويه فجاءت الشخصيات فريدة، فكما نشهد صلف وصلادة الأرناؤود ووحشيتهم، نشهد نبل السيد بكداش.

وفيما نشهد حنو سر النهر، نشهد قسوة السيد.

وبينما نشهد أصل الناجي الطيب الكريم، نشمئز من جشع وكبر حريص شقيقه.

فجاءت الشخصيات واضحة مميزة.

وكم برع في جعل المشاهد حية تشعرك بالخطر المحدق بسر المهر وهو يهرب ملازمًا لكنانة ومقبلة الجريحة.

أو جعل حمض معدتك يثور وهو يصف لك ما يراه سر النهر ناحية الرميلة في الصباح التالي للمذ.بحة.

أو حتى جعل شهيتك مثارة وتود الانضمام لطاولة الطعام ببيت الجد حيدر والاتكاء بذراعك على حشية ناعمة لتستمع إلى حديثه بينما تتوسط العم عربي الحلو والكافي والناجي وسر النهر وأنت تلوك تمر بين أسنانك وتستحلب حلاوته وترتشف قدح القهوة وتستدفئ بيها يديك في شتاء زمهرير.

برع حتى في جعل الجماد يئن مم يحدث!

فكانتا مئذنتا مسجد السلطان حسن ومسجد قاني باي الرماح منتصبتان تستقبلان الصباح الجديد لتُخَبٌِر أنهما شاهدتان على نهاية أحفاد من ابتنياهما.

بينما كان باب العزب يشمخ ومن خلفه تضوع روائح مضمخة بدماء أُزهقت وتخضب الممر بها.

رواية من ٢٥٦ صفحة، حتى وإن ملأها الكيل الذي طفح بأبطالها إلا وجاءت النهاية كالبَرد عقب لهيب يستعر بالأزقة والحارات وطالت البيوت وحُرمتها.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق