جزيرة الأشجار المفقودة > مراجعات رواية جزيرة الأشجار المفقودة > مراجعة حسين قاطرجي

جزيرة الأشجار المفقودة - إليف  شافاق, أحمد حسن المعيني
تحميل الكتاب

جزيرة الأشجار المفقودة

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

تقدّم الكاتبة أليف شافاك روايةً تعتمد على مخيلةٍ مصابةٍ بكابوس الحرب، وتثبت لنا -من جديد- في بنية خطابها الروائي وتقنياته وموضوعاته أنها واحدةٌ من المبدعين القلائل الذين لايشبهون إلا أنفسهم.

في الرواية: تنشب قصة حبّ حالمة بين كوستاس اليوناني وديفني التركية في قبرص، إلا أنّ الحرب الأهلية المندلعة في الجزيرة تُفضي بكوستاس إلى خارج هذه اللعنة بطلبٍ آمرٍ من أمّه، فيقيم في لندن ويبعث برسائله الملهوبة بالأشواق إلى حبيبته ديفني التي رفضت تلقي الرسائل باعتباره خائناً كاذباً لايستحق حبّها الصادق.

تمضي الأيام ويعود كوستاس إلى قبرص ويلتقي بحبيبته ديفني ويسترجعان معاً أيامهما الزنبقيّة بعدما منحته صكّاً بغفرانها، ويبدآن رحلة البحث عن شابين كان يملكان حانةً ذات شجرة تينٍ وارفة كانت ظلالها مكان لقائمها الأول.

لايوجد في الرواية حدثٌ مستغلقٌ على القارئ، وتعتمد الكاتبة تقنية الاسترجاع والمذكّرات في استعادة أحداثٍ من الماضي معظمها يُروى على لسان غُصنٍ فتيٍّ نقله كوستاس إلى لندن بعدما اقتطعه من شجرته الأم التي اقتحمها اليباس بعدما دُمّرت الحانة بفعل الحرب.

تشبّ الطفلة آدّا ابنة كوستاس وديفني في لندن وتأتي خالتها لزيارتها بعد وفاة أمها وهنا نلحظ اعتماد السرد على منطوق الشخصيات الأساسية الثلاث (الخالة وأدّا وشجرة التين) وسيدهش القارئ أنّ ما يجمعهم ثلاثتهم شيءٌ واحدٌ هو الرغبة بالعودة إلى الجذور، وسيصحب استذكارات الماضي كثيرٌ من التأملات الوجدانية التي تؤدي وظيفةً جماليةً إضافيةً في الرواية.

إذن تستنطق الكاتبة شجرة التين ونتعرف من خلال هذه الشجرة على الروح الحيّة الكامنة في داخلها وطريقة تأويلها لتصرّفات البشر والحيوانات والحشرات، وأكثر من ذلك: ترصد لنا تحولاتها مع الفصول، واستشعارها الأحداث المستقبلية القريبة ارتكازاً على إحساسها بالحرارة والطاقة، وعنادها المتين لأجل البقاء متحدّية صروف الأيام.

لانجد في الرواية عملاً ثورياً أو نضالاً وجودياً أو حتى مصطلحاتٍ عسكرية تغشى النص رغم أن ثيمة الحرب واضحةٌ جليّة. لكنّنا نلحظ بجلاء تأثّر الشخصيات بأفعال الحرب ونتائجها عليهم. كما تطرح الكاتبة قضية الأقليات وسعيهم للحفاظ على هويتهم انطلاقاً من الحفاظ على جذورهم أيضاً. وهذه الأقليات ليست بالضرورة دينية أو قومية وإنما جندرية أيضاً (يوسف ويورغوس صاحبي الحانة على سبيل المثال).

رغم بؤس الحرب استطاعت شافاك أن تغري قارئها بالتلذذ بطعم الحياة عند الحديث عن الطبيعة البكر وأنواع الأشجار في البراري والغيطان، استطاعت الكاتبة أن تمرّر قضية المناخ دون المساس بروح الرواية وثيمتها الأساس وزينت عملها ببيئةٍ رحبةٍ جميلةٍ سيتفاعل القارئ معها وسيشعر باختلاج الأغصان العارية عند قدوم الفراشات الصفر عبر البحر، وحركة العساليج المورقة مع هبّات النسائم في الجزيرة المنعزلة.

ما يؤخذ على الكاتبة -برأيي الشخصي الذي لا ألزمه أحداً- هو انتصارها للشق اليوناني من قبرص وميلها الواضح لقضيته -رغم تركيّتها- ونجدها في أكثر من موضع تتهم الأتراك والقوى الدولية بخرق مبادرات السلام والتهاون بمقتل المدنيين؛ بل تعمّد استهدافهم. وتعرّج على ذكر المقابر الجماعية وتترك القارئ ليستنتج مسببيها بنفسه بعدما ألمحت له بذلك مسبقاً؛ وهذا تصرّفٌ غير نزيهٍ من الكاتبة. ولا أحبّ اتخاذ الأدب المحض مطيّةٍ لتمرير مواقف سياسية.

صدرت الطبعة العربية من الرواية عن دار الآداب عام 2022، وبترجمة راقية من أحمد حسن المعيني. وهي بالمجمل رواية جميلة تحزّ في نفسك رسابات الحرب التي تشهد أطلالها على ماضٍ جميل لم يبقَ منه إلا الذكريات.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق