#ماراثون_القراءة_مع_بيت_الياسمين.

بيت الياسمين - Bait Elyasmin

التاريخ القديم ملئ بالعراقة من كل النواحي ، أحداث جِسام ، تفاصيل مُثيرة ، معارك مُعقدة ، تقلبات سياسية غير منتهيه ، وغير ذلك فإن وقائع الناس ويومياتهم تُضيف الكثير إن أجاد الكاتب إدخالها في أحداث العمل بما يُلائمة ويليق بالحقبه التاريخية التي يتحدث عنها.

نحن في هذه الرواية علي أعتاب المحروسة صاحبة التاريخ اللامُنتهي والفاصل في كل الأزمنة تقريباً ، سقط نجم المماليك بعد أن اجتاحهم العثمانيين في الريدانية ، أُعدم طومان باي علي مرأي ومسمع من الجميع بعد أن حوصر وقُبض عليه ، وبهذا انتهت الحقبه المملوكية في مصر وبدأ العهد العثماني ، لكن فترة الانتقال هذه مُتقلبة ومشحونة بدماء معارك الأمس وغير ذلك فـ الأتراك ليسوا من العرب ، لهم تقاليد وطُرُق حكم وعادات مُختلفة تماماً ، لم يُرحب بهم أهل المحروسة كما قيل ، بل عاملوهم بالند والخصومة ، تماماً كـ مُعاملة المُحتل.

يصف الكاتب هذه الفترة بدقة رائعة تجعلك تري الأماكن وتجوب فيها ، يتحدث علي لسان الأشخاص بنفس حديثهم تلك الفترة ، حتي أزيائهم وطقوسهم كلها حاضرة بتفصيل مُبهر.

بعد أن نجوب في شوارع المحروسة ونتعرف علي أبطالها الحاضرين معنا في العمل سيكون هناك حدث يبدوا عادياً لكنه سيقلب ليل المحروسة نهاراً وسيُظهر معاندة كبيرة من أهل المحروسة للوالي الذي حاول أن يخطف من بينهم الشيخ أحمد أبو الفضل قاضي قضاة المحروسة وشيخ المذهب الشافعي ، والذي له في قلوب أهل المحروسة الكثير من الحب والتقدير والمهابة لعدلة بين الناس وحرصة علي إقامة الدين بينهم.

يونس هو ابن الشيخ احمد الفضل ووريثه في العلم الشرعي وأقرب أولادة إلية ، كان دائم الترحال مع والدة في مجالس العلم حتي أصبح من كبار مشايخ المشيخة ، يعلم غيره بما تعلم ويفيض عليهم من فتوحات رب العالمين عليه وعلي والدة.

في إحدي الجلسات ناقش العلاقة بين العقل والنقل وأنها يجب أن تحدث في تناغم وتماهي بعيداً عن الشطط والغلو و بغية الحصول علي استفادة ، ناقشوا كمثال قضية خلق القرآن ، كان كلام يونس خفيفاً سهلاً غير متكلف ، لكنه يوزن بماء الذهب ، فلا خشية علي العالم أو الفقيه أن يترك ما لا يفهم ويرجعه إلي علم رب العالمين السابق والغيبي وهو أفضل من أن يتقول بما لا يعلم أو يفهم أو حتي بذكر كلام الآخرين المجهول ماهيته والمُختلف عليه ، وإن كان من الأفضل أن يتأني ويصبر ريثما يأذن الله له بالفهم والفتح والعلم.

انتقل سلسال بيت القاضي من حكاية يونس إلي قصة ولدة قاسم الذي كان أكثر تمرداً وعناداً من أبيه في معاملته مع الترك أو كما يُشار إليهم في الرواية العُثمانلية فقد أطلق شراشرة المقاومة ضدهم بعدما فعلوة في أهل المحروسة والغجر الذين كانوا علي حدودها في ذاك الوقت.

طالت الحكايات وتوسعت رقعتها بين الأشخاص وكان من الصعب أن يُحيط الكاتب علماً بكل التفاصيل التاريخية والحياتية لهم جميعاً ، لكنة أوجد طريقة جيدة للربط بين كل ذلك.

لغة الرواية رائعة ، تقسيم الفصول والأبيات التي يبدأ بها كل فصل مناسبة جداً لأجواء الرواية ، لكن الرواية بدأت برتم خفيف ومشوق جداً ، ثم أخذ هذا الرتم يرتفع تدريجياً ، ثم هدأت الأمور تماماً في قصة يونس والتي كان بها تفاصيل وأحداث مُملة جداً ومُعادة أغلبها عن حكايته مع نعمه ، ثم عادت سيرة الرواية الأولي من الخفه الممزوجه بالمتعة أثناء الحديث عن قاسم.

أُجبر قاسم علي ترك المحروسة ابتغاء العودة بمدد لمقاومة التُرك ، لم يجد من يساندة في تلك الحرب لقوة الأتراك واشتداد عودهم حينها ، لكن عاصم الذي لم يكن موجوداً في الريدانية ، يتردد صدي هذه الموقعة بداخله ، أقسم أنه لن يهادن القوم ولن يعود تحت رايتهم ، والمحروسة رغم جور الزمان عليها تلفظ كل المحتلين.

بداية مُبشرة لكاتب يعرف كيف يستخدم أدوات الكتابة ويقوم بتوظيفها جيداً.

⭐⭐⭐.

اقتباسات:-

❞ لك وجه في النّظر للأمر، ولي وجه، وللظّاهريّة والأشعريّة وجه. وكلّنا لخير ما لم نفتأت أو نتألّى على الله في قرءانه؛ فلا يعلم تأويله إلّا الله. ❝

‏❞ الحياة أطول من أن تعيشها في مستقرّ وحيد، وأقصر كذلك من أن تتنقّل فيها طيلة أيامك دون أن تقرّ. لا تعرف معنى السّفر والطّريق ومخالطة الغرباء، ومرّ الأيّام حين تقسو وأنت شقيّ في أرض غريبة. ❝

‏❞ أولياء الله يأنس بهم الناس، ويأنسون بغير الناس، لا يجدون ضيقًا من سؤال، ولا يجحفون النّاس حقّ السّؤال، يرزقهم الله، ويجعل بهم الرّزق للنّاس.