أنا قادم أيها الضوء > مراجعات كتاب أنا قادم أيها الضوء > مراجعة عمر الحمدي

أنا قادم أيها الضوء - محمد أبو الغيط
تحميل الكتاب

أنا قادم أيها الضوء

تأليف (تأليف) 4.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

كم أثر فيّ هذا الكتاب، كم حزنت لآلام كاتبه، لكن عزائي أنها قد انتهت، وأصبحت رصيدًا في كتاب حسناته، إنه كتاب (أنا قادم أيها الضوء) للصحفي الموهوب (محمد أبو الغيط) رحمه الله، كتبه في فترة حياته الأخيرة بعد أن أصيب بسرطان المعدة، أودع لنا فيه حياته وأفكاره وآلامه، تنقّل عبر لغته الرشيقة بين الخاص (من حياته وأفكاره) والعام (من الأحداث والمواقف)، بين الماضي والحاضر، لقد كان أول كتاب أقرأه بأذناي (عبر تطبيق اقرأ لي) بدأت أول فصل فما تمكنت من إفلاته، صرت أتحين الخروج من المنزل حتى أضع السماعة وأغوص في عالم محمد عبر كلماته، فصرت أتجول في شوارع المدينة أشاهد الحياة غضة طرية وأسمعها وهي تبخل لمحمد، أرى الصحة تدب في أجساد الكبار والصغار، وأسمعها وهي تشح أن تعطي محمد.

.

كنت أشبّه الكِتاب سابقًا كمتعلقات شخصٍ دفعهُ صاحبهُ نحو الماء فألقى -في آخر لحظة- هاتفه ومحفظته حتى لا تبتل، يلقى أشياءً يريدها أن تبقى بعد رحيله، وقد تحقق هذا التشبيه في حالة محمد أبو الغيط، فهو فعلا ألقى لنا بجزء منه قبل الرحيل، ألقى لنا أفكاره ومشاعره وآلامه، حكى لنا عن حياته وعن أسرته وشيء من طفولته، عن زوجته الوفية وعن أيامه الأخيرة، وفي هذه الرحلة البيانية الماتعة، نتعرف على جوانب كثيرة من شخصية محمد، ونرى بوضوح كيف شفت روحه وارتقت نفسه في شهوره الأخيرة، حتى كادت روحه تخاطب الشجيرات في حديقته والنسمات في نافذته، كما عرفنا الكتاب قوته النفسية وتشبثه بالحياة إلى آخر لحظة، وعبر الصفحات والأسطر، نلمس شفافيته وصراحته، من أجل ذلك كله، كان هذا الكتاب مؤثرًا حقًا، نافعًا جدًا.

.

كثيرون هم من يتألمون في صمت، ليس لديهم موهبة يمكنها أن تحول الآلام لكلمات، لكن محمد كان يمتلكها، لقد سخّرها طيلة سنوات حياته لنصرة الحق وقول الصدق، ثم سخرتهُ لينقل إلينا آلام المعذبين ومشاعر المرضى المتألمين، حكى لنا بأسلوبه المشوق كيف بدأ الأمر حين أتاه الحلم المتكرر، كان يرى أن هنالك أشواكًا في فمه، وكلما حاول نزع أحدها تألم بشدة، وقد تكرر الحلم مرة بعد أخرى إلى أن عَلِم تأويله بعد أن اكتشف مرضه، وقد حكى لنا بأسلوبٍ غير ممل عن رحلة علاجه، أسلوب دمج فيه الكثير من المواضيع مع رحلته العلاجية، فعقد فصلاً عن والديه، وآخر عن تعلقه بالزراعة والخضرة، وفصل عن زوجته الوفية وقصة حبهم، وهكذا تألق الكتاب بهذا الدمج الممتع والمؤلم في نفس الوقت.

.

نتعلم من خلال الكتاب عن بعض الحقائق عن هذا المرض الخبيث، فالكاتب هو طبيب في الأصل، وقد خاض عدة تجارب علاجية منها ما هو معروف مشهور، ومنها ما هو تجربيٌ لم يحقق الانتشار، كان يتعامل مع الوضع بموضوعية، يتخذ كل مسار ممكن على أمل الشفاء، يراسل مراكز البحث ويبحث عن الأدوية الجديدة، تحدث عن تلك التجارب العلاجية في فصل سماه (التجربة)، أليس الحياة تجربة؟؟

.

كان الفصل قبل الأخير عن والديه، حكى لنا عن التقائهما وتأسيس البيت الدافئ الذي نشأ فيه محمد، وقد أكبرت الأخلاق الحميدة والقيم العالية التي أسست شخصية محمد واكتسبها منهما، أحببت أباه المحب للخير وأمه القريبة من الله، تلك الأم التي قال لها الأطباء أن لا أمل في الإنجاب فقررت أن تتوجه لمن بيده الأمر، قضت يومَ جمعةٍ كامل في التضرع والدعاء فكانت النتيجة ... محمد.

.

وفي فصل (أبنائي الخضر) تحدث عن هوايته التي بدأها مع مرضه؛ الزراعة، وكما هي العادة؛ اختلطت الكلمات بالآلام، وأخبار الشجيرات بأخبار الأدوية والكيماوي، وخلال رحلته في زراعة حديقته، نمى في قلبه شعورٌ أبويٌ تجاه تلك النباتات، نمت علاقة عاطفية بينهما بالتزامن مع نمو فورعها وأغصانها، وفي الحقيقة -وهذا كلامي- فإن الكون متصل بعضه ببعض على مستويات أخرى من الوعي، وكما يقول بعض العارفين، أن لكل شيء في الوجود وعيٌ مناسبٌ له، والذي حدث لمحمد كان ارتقاءٌ روحي سمح له بالتواصل العاطفي مع بعض المخلوقات الأخرى في هذا الكون الفسيح.

.

تمسّك محمد بالأمل حتى آخر أيامه، حتى آخر كلماته، كان يحلم أن يعيش ويكبر ويرى إبنه يكبر أمام عينيه، لكنه وضع مكانًا للاحتمال الآخر، فقال أنه يأمل أن يساهم هذا الكتاب بفتح ثغرة للنور، ذلك النور الذي وجده خلال حياته مع كل فعلٍ للخير، مع كل نصرةٍ لمضلوم، مع كل عملٍ صالح يساهم في بث الحياة وإسعاد الآخرين، لقد أحب ذلك الضوء في الحياة، فأتت أقدار الله بأن يذهب إليه مبكرًا، تاركًا خلفه ومضة على شكل كتابٍ ورقي.

.

ولقد وجدتني أتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابن مسعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ ﷺ خَطًّا مُرَبَّعًا، وخَطَّ خَطًّا في الوَسَطِ خَارِجًا منْهُ، وَخَطَّ خُططًا صِغَارًا إِلى هَذَا الَّذِي في الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي في الوَسَطِ، فَقَالَ: (هَذَا الإِنسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطًا بِهِ –أَوْ: قَد أَحَاطَ بِهِ- وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْراضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذا نَهَشَهُ هَذا) رواه البخاري.

.

Facebook Twitter Link .
4 يوافقون
اضف تعليق