حكاية رجل عجوز : كلما حلم بمدينة .. مات فيها > مراجعات رواية حكاية رجل عجوز : كلما حلم بمدينة .. مات فيها > مراجعة Mohamed Osama

حكاية رجل عجوز : كلما حلم بمدينة .. مات فيها - طارق إمام
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

#ريفيوهات

"حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها.. ذاكرة الرحالة ونداهة المقيمين"

- قبل كل شيء اسمحوا لي أن أسأل، هل يوجد كاتبا يبني مدينة على امتداد أعماله؟

أي يصنع توليفة، تجمع أفكار أهل تلك المدينة وفلسفتهم ولسان حالهم، وأجواءها وروحها التي تجعل منها مدينة فريدة، فتراها حية نابضة أمامك بين الكلمات والسطور، ربما أظن أن القائمة تطول بهؤلاء الكتاب، لكن المؤكد أن كاتب تلك المجموعة القصصية منهم.

- فمثلًا ببساطة رأيت في روايته "ماكيت القاهرة" صورة عامة ملتقطة للمدينة مزيج عجيب من أفكار المدينة وفلسفاتها حتى في فكرة تكثيف المباني المكررة واختزالها باعتبارها حياة واحدة، يطل منها صراعات متعددة متشعبة داخل النفس، أو بين التوجهات وبعضها، ويظللها جانب روحي يعطي للمسميات المجردة معنى كالموت والحلم، وإعادة تعريف الأشياء، يرتب الزمن وأقسامه الماضي والحاضر والمستقبل وفق هوية المدينة.

- لكن لأنها صورة شاملة فالعناوين تتراص بشكل متخم كزحام المدينة، تختفي داخلها التفاصيل، وكذلك سر المسميات وروح المكان نفسه، تحتاج إلى عمل "زووم" من كل الزوايا،حتى نفهم تركيب تلك المدينة، كما رأينا فعلا في فكرة صراعات المرء النفسية، ومعضلة المعرفة، والعلاقة بين الروح والمادة في رواية "هدوء القتلة" وبالمثل نرى روح المدينة وسرها الباعث على حركتها في تلك المجموعة.

-- صبغة قماشية

- الموت، الحياة، الحلم، الذكرى، الهوية، كل تلك الأسماء لها معنى ظاهر، واضح، لكنها أسئلة سهلة الامتزاج مع حياة الإنسان ورحلته، وفي قصة حكاية رجل عجوز في انحراف القطار وانتباهة العجوز، تراه أيضا محطة واسعة يتخفف فيها المرء من ذكرياته وبصمته الخاصة كما في قصة مدخل صانع الصور، وهي ما يجعل المقابر هي الشيء المميز في مدينة قصة كفافيس.

- نرى امتزاج الذكريات بالموت، ونفهم سعي بعض الناس لصنع أثر واضح ثابت تدوم قيمته بعد موت الجسد، رقيق كجلدة تبقي حياتهم ممتدة، ولهم العذر فهم لا يريدون حياة مهما كانت بلاغتها لا تعدو على كونها ورقة بيضاء كما في قصة "الحياة المكتوبة مرتين"، أو حوائط لا نهائية جرداء لا معنى لها تصلح فقط للبول تحتها كما في قصةحكاية رجل عجوز فلا ترى ثورة العظام في قصة "مدينة الأشباح الغارقة" إلا شيئا منطقيا بعدما انهدت البقية الباقية لهم، وكذلك الصحف البيضاء المتطايرة خارج بيت كفافيس في قصته.

-- فلسفة العمى "الشاهد الغائب"

«لم أندهش، وأنا ألهث بالكاميرا خلف كل ذلك؛ لأنني صرت أرى المدينة التي أعرفها.. أنا المُصوِّر الفوتوغرافي العجوز الذي لم يعد يجد ما يفعله.. وفي ركن بعيد، على دكةٍ خشبية قبالة الكورنيش، تظللها شجرة كافور ضخمة.. وجدت حبيبتي جالسة».

قصة لأنه لم يعد يندهش.

- من تلك القصة بالإضافة لقصص "عينا رجل أعمى ومدخل صانع الصور " معنى أكبر لرؤية الذكريات ذاتها، كأنها فيلم سينمائي طويل هم أبطاله ومشاهدوه، يلتقط السعيد منهم لقطة يتشربها وتصير درعه للجديد المجهول كالبراءة الأولى "كعرق الأم الراحلة على جبين الطفل في القصة الثانية" ومنهم من لا يحسن التقاطها فيزهد في باقي المشاهد متمنيا عودته ولو بومضة بسيطة ويكمل في حلمه كقصة "لأنه لم يعد يندهش" ومنهم أيضا من ينفصل كليا عن واقعه اللهم إلا استلهام لبعض التفاصيل ليصنع حبكة موازية مخاتلة لواقعه في ظنه إلا أنه يصطدم بأنها تشبه واقعه تماما أو تتقاطع معه كما في قصة عينا رجل أعمى.

- التعيس منهم من تنفتح أمامه المشاهد بلا توقف، ولا حاجة له بها، فهو لا فاعل ولا مفعول به، وإنما مجرد شاهد على ما حوله، مرئي كالطيور الميتة في قصتي "غرفة يهوذا" و" طيور بحدقات محترقة" فيأخذ الأبطال منهم الدهشة والتأثر، وفي أحيان هو ذاته يشارك كالبحر مع ثورة العظام في قصة "مدينة الأشباح الغارقة " أو لا يرى كمعاناة الملاك في قصة "ملاك أسود".

- الخلاصة هذه الصور تضعنا أمام جانب مختلف قليلا عن فكرة الرؤية وهي هنا المسايرة والتجدد وتكوين الذكرى حتى لو كانت لا يحفظ منها إلا مشهد النهاية دوما "كما في قصة حكاية رجل عجوز " أو حسبه الإذعان للمصير كما في قصة "الحكاية المكتوبة مرتين" والعمى الذي أصله التمرد على الجديد سواء الاحتفاظ بالصورة الأولى أو التفنن في مسار جديد أو حتى شاهد كآلة كاميرا تخزن بلا استيعاب المشاهد المتتابعة "ممكن أن تتكوم لتصير شيئا مستقلا يفهمه الشاهد وينقله للتأثر كما في قصة "ملاك أسود" ويصلح لشرارة دافعة كما في قصتي "تحريك وأنامل أنثى"، أو حسبه أن يظل ماثلا ينتهي بانتهاء مشاهدوه كقصة "عتمة كاتم الأسرار".

- ومن العمى ينقلنا الكاتب في قصص "رغم الظلمة رغم النوم، ومدينة الأشباح الغارقة" إلى صورة كاملة تدل على نسبية المفهوم، يعني أن الغارقون في سبات الموت في مدينة الأشباح بكامل وعيهم وقوة بصرهم في رغم الظلمة، تنفتح الأحلام على بعضها كالنوافذ، فيحتكمون بحكم المخيلات في انتقامهم وصراعاتهم، عالم كامل يؤدي إلى حقيقة العمى الذي شرحناه سابقا بأنه ليس إلا تمردا أو حياة نابعة من قلة الحيلة ترد اعتبار صاحبها من التسلط "فتقتل الفرقة المتمردة أصحابها، وكذلك يحكم عليهم أهل المدينة بالموت".

-- نقطتان بين الندهة وآخر الرحلة

لمعظم القصص نداهة خاصة، تحركهم من نقطة السكون لرحلة قصيرة كقصة الصياد والفريسة، أو رحلة طويلة إلى لا نهاية كحكاية رجل عجوز، لا يهم ماهية النداهة سواء كانت رغبة أو ولع كقصة كوليرا وطيور بحدقات محترقة، أو شاهد يحكي سير ما حوله كقصة أنامل أنثى، المهم أن في تلك القصص لا تختلف خطوات الرفض من خطوات التسليم، كلها تؤدي لنفس المصير في الأغلب، وهذا ما أدركه العجوز في كل رحلة في تذكر الموت دون غيره، فحياته كقصة الحياة المكتوبة مرتين صفحات بيضاء لا يبين منها شيء كلما سار ومضى، تضح أكثر في لحظة الصحوة حين يدرك أنه في موطنه "محطته الأخيرة" حيث أمه الأرض التي تؤويه فيفعل كما فعلت القديسة في طيور بحدقات محترقة.

الخلاصة: مجموعة رغم قوة فلسفتها، إلا أنني استمتعت في نهايتها بتعمق الكاتب في أسرار المدينة، وكأنني أذكر مشهدان "ذكرا كثيرا على صفحات فيس بوك" لنور الشريف في فيلم أيام الغضب، الأول حين يرى الأبنية من الطائرة ليقول سعيدا "مصر حلوة أوي من فوق" والثاني حين ينكل به وتمر أمامه الأبنية نفسها فيقول كمدا ذات العبارة "مصر حلوة أوي من فوق"

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق