حين يكون الجماد راويًا

مهد من تلك المهود المصنعة في الصين يأخد رحلته ليستقر في بلد بعيد، في مصر.

في إحدى قصور مصر الفخمة تصل العربة المحملة بمهدي الأبيض المصنوع من الخشب الفاخر؛ حيث أن چورچ ونتالي في انتظار وليدهما، وهناك يتقرب مهدي من الآنسة كوكو المصنوعة من النحاس والتي ما أن تألف وجوده حتى تأسر له بما في قلبها من أحداث عايشتها وعاينتها منذ كانت صوفي طفلة في بلدتها بأثيوبيا ونشأنها هناك حتى وصولها إلى هذا الموضع.

ما بين السركسيان وأحباب مريم ترعرعت صوفي في أثيوبيا

لتتلو كوكو على مسامع مهدي ما آل إليه حالها بعد هجر چوان لإبراهام وكيف كان للعمة بيكا الفضل في العناية بها حتى بعد زواج كلتيهما.

ثم يهل بيتر، الذي من أجله تم جلب مهدي، لكن لم يهل بالفرحة التي تلازم ميلاد مولود جديد للحياة، خصيصًا في ظل بيت تميزت علاقات سكانه بالاضطراب والشقاق إلى حد ما بالأخص بين نتالي وأم زوجها، ماري.

ترى كيف ستكتمل حكايتهم!!

كما أن هناك كريس بقلبه المحب المشرق وذاكرته التي بدأت في المغيب كان هناك بيتر بملائكية ابتسامته وعذوبة قلبه وملامحه وكان هناك الحلم الذي أرادت نتالي تحقيقه، ومن ثم تنتهي حياة مهدي في هذا القصر فينتقل مهدي تباعًا إلى مسكن جديد، نعم يفتقد كوكو لكنه يأنس بظل عم نقطة وحكاية عبد الحميد الذي ما كف لسانه عن الحمد وزوجته كريمة الكريمة الأصل والطيبة المعشر، ورحلتهما الطويلة في صفوف الانتظار بعيادات النساء والتوليد في محاولات حثيثة للإتيان بمولود ينير دربهما الذي افترشه الحب وأزهرته سنين من المودة والرحمة بينهما، ليعطيهما الله بسخاء، ليرزقا بعد ذلك أمل وإيمان ولكن!!

في البدء، يحكي عم نقطة عن فرقة الفن الحديث التي عرفت فيما بعد بفرقة البركة لنصل مع نهاية الحكاية ببركة وهو يحاول الوصول لكريم صالح، حيث العون الذي أرسله الله في تلك الظلمة الحالكة ليعيد النور والضياء لحياتهما من جديد.

مشترٍ جديد وبيت جديد ينتقل إليه مهدي ليتوسده مولود جديد كملك على عرشه، ومن جديد نتعرف على بيت بسكانه، سارة التي ما أمهلها الله الوقت لتحمل وليدها بيديها وتلقمه ثديها؛ ليتعلق شادي بجلباب أم الخير التي ما أن تظهر في مشهد إلا وتشعر بذراع قوي يلتف حول ضلوعك وضجيج يملأ سماؤك ليشعرك باختناق وضيق؛ فهي ممن لا نصيب لهم من أسماءهم، إلا وأنك بمرور الوقت وباتضاح الأحداث ستجد نفسك تشد على يديها داعيًا لها ( ربنا يحببهم فيكِ).

ثلاث بيوت بثلاث حكايات، بظروف جديدة في كل مرة بأبطال يختلفون فيما بينهم سلوكيًا وماديًا إلا أنهم جميعًا كانوا في انتظار ضيف جديد طالما كانوا في اشتياق له.

ببراعة شديدة أظهرت مي حمزة في عملها الثاني ميلاد هادئ في عذوبة بديعة تتلائم مع ترنم الملائكة وانتظار فرحة مُرسلة من السماء لأبوين وصياغتها على لسان جماد وبمشاعره، نعم، مي جعلت للجماد مشاعر!

نوڤيلا لم تتجاوز ال١٦٨ صفحة إلا أنها حوت بين دفتيها الكثير من المشاعر.

هناك ما أعجبني من عبارات، أود مشاركتها ومنها:

❞ لماذا يظن بشري عاقل أن هناك جمادًا قادرًا على إزعاجه بقصد أو حتى بدون! ❝

❞ مساكين هؤلاء البشر يختلقون عداواتٍ وهميةً من فراغ الطبيعة الحَنُون ❝

❞ لقد تبلَّدت مشاعرك من كثرة ما رأيتَ من بشاعات صبغت الحياة بالأسود، فأصبح الرماديُّ لونًا جميلًا في نظرك ❝

❞الأحمق الذي يعرف حماقته هو حكيم، هنا على الأقل،‫ لكنَّ الأحمق الذي يرى نفسه حكيمًا‫ هو أحمق حقًّا!" ❝

❞ ليس بالضرورة أن يكون الحب وسيلة، وإنما هو هدف في حد ذاته ❝

❞ قد اكتشفت أن الحياة ما هي إلا وعاء كبير تختلط فيه مصائرنا، وأن ما سأقصُّه عليك الآن إنما هو حرف في قصص أخرى كثيرة حدثت من قبل وستحدث كثيرًا لاحقًا". ❝

❞ هل الدين يدعو إلى الفُرْقة؟ إلى تشتُّت العائلة؟ إلى هجرة الأرض لإرضاء الإله؟ أم أنها طبيعة البشر التي تطبع بصماتها القاسية على تعاليم الآلهة، فتكسو صفاءَها بضغائن بني الإنسان وقسوته؟ ❝

❞ هذا الكائن هو مثال حي لتعاليم الإله؛ فنحن نُولَد على الصورة التي يجب أن نبقى عليها: مُحِّبين، مستسلمين، راضين، لكننا مع الأيام نتلوَّن بكل ما من شأنه أن يعكِّر صفو قلوبنا، وعليه فنحن نظل نقاتل شياطيننا لنعود إلى صورتنا الأولى: ❝

❞ يلوثوننا فنحاول التطهُّر، يزعجوننا فنحاول التخلُّص منهم ومن كل شيءٍ تابعٍ لهم، حتى ولو كانت أجزاءً منَّا.. إنه الصراع الأبدي. ❝

‏ ❞ جميل أن يكون لك فرصة لتبدأ من جديد، لكن الذكريات تجعل للأمر قيمة. ❝

❞ حين تعلم بوجودِ خطرٍ يحوم فوق الرؤوس، وأنك لا تراه ولا تستطيع محاربته بنفسك أو الدفاع عن أحبابك من التعرض لأهواله، يصبح الأمر حينها في غاية الصعوبة. ❝

‏

❞ هل تعرف ما الذي يميِّز الأصدقاء الحقيقيين؟ أنهم يعرفون تمامًا ما ❝

❞ نودُّ سماعه، وما الوقت الذي نحتاج فيه هذه الكلمات تحديدًا، سواء أكانت مديحًا أم عتابًا أم تشجيعًا، أو حتى كلمةَ شكرٍ بلا مناسبة ولا سبب، ❝

‏

❞ الخيانة على عكس كل أمور الدنيا كلما زاد عدد منافسيك كنت في أمان. ❝

❞ الأماكن الجديدة دائمًا ما تُشعرنا بالاشتياق إلى الأصدقاء والأحباب

❞ اختفاء صديق لا يعوِّضه إلا وجود صديق آخر؛ وكأن القلب والروح والنفس لا يقبلون بالوحدة مهما حاولنا أن نثنيهم عن ملء مكان الغائبين بغيرهم. ❝

‏❞ لكل إنسانٍ طريقتَهُ في الحديث إلى الإله، لا يهم أين ينظر ولا طريقة توجيه الدعاء، لكن المهم أنهم كانوا يتحدثون معه جميعًا وكأنهم يرونه، ويوقنون أنه يراهم. ❝

‏❞ الافتقاد شيءٌ لا يُمكن وصفه، خواءٌ في أعمق أعماقك تصدح فيه الآهات، تتكرر صداها ألفَ مرةٍ ومرة. ❝

‏طيلة الوقت كنت أشعر بأن النوڤيلا يمكن تجسيدها كإحدى أفلام الرسوم المتحركة الشهيرة والمحببة ( الجميلة والوحش )